يشهد سوق العملات الرقمية خلال الساعات الحالية، انهيارات كبيرة ومفاجئة، إذ اكتست مؤشرات أسعار السوق باللون الأحمر الذي بات يسيطر على كامل الشاشة في منصات تحليل أسعار العملات الرقمية.
وبالتأكيد حدث شيء ما تسبب في هذه الانهيارات الدموية، التي تظهر جليا في انخفاض سعر البيتكوين والإيثيريوم وسعر عملة بينانس الرقمية والعملات الرقمية المستقرة، وغالبا أن مجموعة من الأسباب تسببت في هذا الانهيار المخيف.
مؤخرا قامت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بشن حرب قاسية على منصة بينانس ومؤسسها التنفيذي الملقب بـ”CZ”، تسببت بانهيارات فورية في سوق العملات الرقمية، لحقها حرب ثانية على منصة Coinbase أيضا، بحجة أن كلتا المنصتين قد خالفت قوانين الأوراق المالية.
والمشكلة هي أن لجنة الأوراق المالية الأمريكية تقوم بالادعاء على المنصات دون الأخذ بعين الاعتبار حجم التداعيات المترتبة على مثل هكذا قضايا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمنصات عالمية ومنتشرة بشكل كبير أمثال بينانس وCoinbase على وجه التحديد.
وخلال الساعات الماضية، خسرت البيتكوين أكثر من 3.60% من قيمتها، فبعدما وصل سعر التداول إلى 26800 دولار أمريكي، يجري تداول البيتكوين بنحو 25689 دولار أمريكي، مع ملاحظة في ارتفاع حجم التداول بشكل كبير ليصل إلى أكثر من 15 مليار دولار بارتفاع تجاوز 25% خلال الساعات الماضية.
كما شهدت عملة الإيثيريوم انخفاضا كبيرا بأكثر من 5% في سعرها، لتصل إلى أدنى مستوى لها في افتتاح سوق اليوم عند مستوى 1744 دولار أمريكي، في حين كان يتم تداولها بأكثر من 1855 دولار خلال الـ24 ساعة الماضية.
والمثير للقلق أن أسعار العملات الرقمية المستقرة الخاصة بمنصات عالمية مثل بينانس وTether تشهد جميعها انخفاضا في قيمتها هي الأخرى، إذ انخفضت عملة بينانس المستقرة بأكثر من 0.04%، في حين انخفض دولار تيثر أيضا بنحو 0.24% ليكون الخاسر الأكبر في المجموعة، ويبقى الدولار الرقمي المستقر USDT الوحيد الذي يشهد نموا في سعره بأكثر من 0.05%، وخاصة في أوقات انهيار أسواق العملات الرقمية التي يشهد فيها عادة زيادة في طلب الشراء.
كما انخفضت القيمة الإجمالية لسوق العملات الرقمية من مستوى 1111 مليار دولار أمريكي، ليصل إلى حدود 1040 مليار دولار فقط، بنسبة انخفاض تجاوزت 6.8 وبخسارة أكثر من 71 مليار دولار أمريكي.
كما ذكرنا، فإن الانخفاض الكبير الذي يعيشه سوق العملات الرقمية الآن، يعود لمجموعة متنوعة من الأسباب، أسهمت في مجملها إلى هذا التحرك الكبير وانخفاض أسعار معظم العملات الرقمية بما فيها العملات الـ20 الاولى في السوق من حيث القيمة السوقية.
وفرضت الحرب الأخيرة التي شنتها لجنة الأوراق المالية الأمريكية على بينانس وCoinbase ضغوطات وأعباء كبيرة، خاصة أنها تدعي أن عملات كثيرة بما عملة بينانس والريبل وMATCI وسولانا وكاردانو وMATIC وغيرها الكثير، هي أوراق مالية غير مرخصة، وفي حال التعامل معها على هذا الأساس فإن ذلك سيحد من إمكانيات تداولها السابقة وستخسر كثيرا في سعرها.
ومع انخفاض السيولة وهبوط أسعار عملات رقمية كثيرة، فإن عملة BNB الرقمية التابعة لبينانس تشهد هي الأخرى انخفاضا حادا في سعرها، إذ يتم تداولها حاليا عند 231.7 دولار أمريكي مع انخفاض تجاوزت نسبته 10.70% خلال الساعات الماضية.
وفي حال وصل سعر العملة إلى عتبة 220 دولار أمريكي، فإنها مهددة بعملية تصفية أصول تتجاوز قيمتها الـ200 مليون دولار أمريكي، وفق ما أشار إليه حساب whalechart على تويتر، لتكون أكبر تصفية فردية في تاريخ سوق العملات الرقمية حتى الآن.
وتسببت الحرب التي تخوضها بينانس وCoinbase حاليا مع لجنة الأوراق المالية الأمريكية SEC، إلى قيام العديد من المنصات باتخاذ إجراءات احترازية لمنع تأثرها بهذه الحرب الباردة والمشتعلة في نفس الوقت، كان آخرها قيام منصة Robinhood بالإعلان عن شطب ثلاثة عملات رقمية عالمية من الدعم والتداول على المنصة، وهي عملات Cardano (ADA) وPolygon (MATIC) وSolana (SOL) وذلك اعتبارا من تاريخ 27 يونيو الجاري.
وتدعي منصة Robinhood أنها قامت بوقف دعم العملات آنفة الذكر، بسبب قيام لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية يزادة التضييق والخناق على منصات العملات الرقمية والأسواق بشكل عام، وتأخرها في إصدار لوائح تنظيمية صريحة وواضحة، والذي يبدو متعمدا لعرقلة عمل المؤسسات والشركات التي تستثمر في هذا القطاع الضخم والمهم على المستو العالمي.
وللأسف تسبب هذا الإعلان في انهيار كبير في أسعار العملات الرقمية الثلاث، إذ شهدت عملة سولانا انخفاضا بأكثر من 28% في حين انخفض سعر تداول عملة ADA الرقمية إلى 0.2379 دولار بعد تسجيلها انخفاضا بنسبة تجاوزت 25.15% حتى الآن، بينما يجري تداول عملة MATIC الرقمية عند مستوى 0.5767 دولار أمريكي عقب تسجيل انهيار بأكثر من 26.10% في القيمة السعرية.
أما عن رأي المسؤولين والخبراء في الوضع الحالي، فقد صرح جون ريد ستارك، خبير رفيع المستوى في العملات الرقمية ومؤسس مكتب إنفاذ الإنترنت لهيئة SEC الأمريكية ورئيس المكتب لأكثر من 11 عاما، أن منصات العملات الرقمية تشهد حصارا حقيقا من السلطات الامريكية.
ويرى الخبير الأمريكي بأنه على المستثمرين في منصات العملات الرقمية الخروج من هذا القطاع على الحال والآن، لأن الوضع في المستقبل سيكون أسوأ مما هو عليه الآن وفق اعتقاده.
ويناقش الخبير جون ريد في قضية حماية المستهلكين والعملاء لسوق العملات الرقمية، والتي إلى الآن لم تأخذ حقها الطبيعي في القوانين الناظمة للسوق كما ينبغي لها أن تكون، والتي تضمن حقوق جميع الأطراق المشاركة في عمليات تداول ومناقلة العملات الرقمية.
كما تسبب التأخر في إيجاد إطار تنظيمي واضح للعملات الرقمية، إلى تشكل هوة واضحة بين الأطراف المنتجة والمستهلكة، بالإضافة إلى نقص في بيانات التأمين للمنصات وسجلات احتياطاتها وإثباتات مليكتها وشرعيتها، والتي تضمن وجود بيئة تداول آمنة وتحقق مستويات عالية من الأمن السيبراني وتقلل من عدد الاختراقات التي تحدث كل يوم.
ويؤكد الخبير السابق في هيئة الأوراق المالية، أن إدارة الهيئة حاليا تفتقر إلى القدر في الكشف عن حالات السرقة والاحتيال التي تقوم بها بعض منصات العملات الرقمية وبعض ضعاف النفوس، كما أن منصات العملات الرقمية لا يوجد ما يلزمها على الالتزام بقوانين لجنة الأوراق المالية التي تحظر العبث من الداخل وتتناسى تلاعب العملاء والموظفين في نفس الوقت.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الأمريكية قد تمكنت مؤخرا من إلقاء القبض على اثنين من سارقي العملات الرقمية، تعود جنسيتهم لدولة روسيا، والذين قاما في وقت مضى بسرقة 647 ألف بيتكوين من منصة Mt Gox بعد اختراقها.
ولكن المثير للقلق أنه قد أصبح الآن في يد السلطات الأمريكية 647 ألف عملة بيتكوين، مع هذه النسبة الكبيرة التي تعادل ثلث حجم الدعم الحالي للبيتكوين، فإنه قد أصبح بمقدور السلطات التحكم في سعر البيتكوين والعملات الرقمية والتسبب في انهيارات وتخبطات كبيرة، بدأنا نشهد أولاها مع صباح اليوم.
ويشير الرئيس التنفيذي لمنصة بينانس خلال تغريدة له قبل قليل، أن لا أحد بالضبط يعلم ما هو السبب الحقيقي في انهيار سوق العملات الرقمية بهذا الشكل، وأن كل جهة ترى أسبابا خاصة بها من وجه نظرها الشخصية، ولكن لا يجب تداول الإشاعات والأخبار الكاذبة.
فمثلا يقول الكثيرون أن منصة بينانس قد قامت بتحويل احتياطاتها إلى أوراق مالية، ولكن في الحقيقة قامت المنصة بتخفيض احتياطاتها من العملات الورقية والمستقرة التي تستخدم في أعمال روتينية مثل دفع رواتب الموظفين وبعض النفقات غير المستدامة، كما زادت احتياطات المنصة من العملات الرقمية بشكل كبير على مدار الأيام والأسابيع والأشهر الماضية.
ويدعو الرئيس التنفيذي لمنصة بينانس، التزام المستثمرين والعملاء بالهدوء وعدم الانجرار وراء الشائعات والجهات التي تستغل مثل هذه الظروف للاحتيال على المستخدمين وسرقة أموالهم، ويؤكد أن مهمته هي ضمان عمل منصة بينانس بسلاسة وتقديم كافة الاحتياجات اللازمة للعملاء على أكمل وجه.
بدأ قادة مشاريع العملات الرقمية الكبيرة بدعم الرئيس التنفيذي لمنصة بينانس CZ وفريقه عقب ادعاءات لجنة الأوراق المالية الأخيرة، إذ أصدر تشارلز هوسكينسون، رئيس شبكة كاردانو، تغريدة طويلة وصف فيها بأن إجراء لجنة الأوراق المالية والبورصات هي سلسلة من الخطوات لتنفيذ Chokepoint 2.0 في الولايات المتحدة.
كما دعى هوسكينسون صانعي العملات الرقمية إلى الاتحاد فيما بينهم ضد الإجراء التنظيمي، إذ يرى أن في هذا الحدث فرصة مثالية للصناعة بأكملها لتنحية الطبيعة المجزأة والتوحد، من أجل الوصول لمجموعة من القواعد والمبادئ التوجيهية المنطقية التي يمكن أن تمنع الولايات المتحدة من تبديد هذه الصناعة بشكل كامل في حال استمرارها على النهج العدائي لأسواق العملات الرقمية
كما قام جاستن صن، مؤسس منصة ترون، بإبداء دعمه لمنصة بينانس ورئيسها التنفيذي أيضا، وذلك خلال رسالة له أكد فيها دعمه الكامل للرئيس التنفيذي لبينانس وأنه يؤمن “بنزاهته”، على الرغم من خلافهم الأخير بعد إيقاف تداول عملة TRX في منصة بينانس.
ومع توسع جبهة الحرب بين بينانس ولجنة الأوراق المالية، لتسقط على معظم سوق العملات الرقمية، فإننا سنشهد منعطفا تاريخيا في مسيرة تنظيم سوق العملات الرقمية والطريقة التي يتم بها التعامل مع منصات العملات الرقمية والأطراف المستثمرة، فعسى أن تنتهي على خير ويجري الوصول إلى لائحة تنظيمية واضحة وشاملة تمنع أصحاب النفوذ من التلاعب في القوانين واستغلالها في الضغط على منصات العملات الرقمية.