لطالما كان الدولار هو العملة الرقمية الأكثر تعاملا وتداولا منذ أربعينيات القرن الماضي، وكان العملة التي يتم التعامل بها دوليا في التجارة والقياس المالي والتصريف، إلى أن أصبحت إجمالي مطبوعات الدولار تعادل أربعة أضعاف احتياطي الذهب المقابل لها، ليتم بعدها فصل الدولار عن الذهب وظهور أسواق عالمية جديدة أدت لكبح جماح هيمنة الدولار.
الدولار الأمريكي يواجه تحالف اقتصادي دولي بقيادة روسيا
تشير التقارير إلى وجود تحالف دولي قوي على الناحية الاقتصادية والجيوغرافية، وهذا ما صرحت به جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، عقب قولها وجود ثلاثة من أبرز اللاعبين الاقتصاديين في التجارة العالمين يحاولون إقصاء الدولار على حد تعبيرها.
وقالت خلال مقابلة لها مع قناة CNN أن روسيا والصين وإيران تحاول إلغاء التعامل بالدولار وإقصائه عن ساحتها التجارية، وذلك عقب استخدام الولايات المتحدة الأمريكية لعملاتها الاحتياطية في سعي منها لفرض عقوبات مالية.
وتشير يلين إلى أن الدولار الأمريكي كان أداة ووسيلة فاعلة في ردع الدول عن القيام بسلوكيات خاطئة من وجهة نظرها، إلا أنه في نفس الوقت، فرضت هذه الهيمنة للدولار حالة جديدة أدت إلى تكاتف الدول للخروج من هذه الهيمنة القابعة وفق كاهل اقتصاد حكوماتهم.
وأشارت يلين إلى أن الولايات المتحدة تعمل مع تحالف من الشركاء من أجل فرض العقوبات المالية المرتبطة بالدولار، والتي تقوم باستخدامها بحكمة من أجل ضبط السلوك غير القانوني للدول التي تنتهك القانون الدولي، وهذا ما دفع روسيا ومعها كل من الصين وإيران لإيجاد بديل للدولار.
تطورات كبيرة تدخل السعودية وإيران في جدول أعمال البريكس
يذكر أن روسيا قامت بإعطاء الضوء الأخضر لبيع النفط للصين مقابل اليوان الصيني، كما ساهمت الصين في شهر مارس الفائت بوساطة سياسية محايدة لإعادة توازن العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، اللتان تعدان من أكبر منتجي النفط عالميا.
في حين قال تشارلز نينر، الرئيس السابق لسوق جولدمان، أنه يسحب ما قاله عن أن الدولار سيبقى قويا ومسيطرا على السوق العالمية، مشيرا خلال مقابلته مع USAWatchdog أن مجموعة دول البريكس تشكل تهديدا أكبر بكثير مما نعتقده على الدولار.
وأضاف أن دول البريكس متمثلة بالبرازيل وروسيا والهند والصين ودول جنوب إفريقيا، جميعها تناهض الدولار، ولكن بعض عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، فإنها ستدفعان بحلف البريكس لإنهاء عصر الدولار كاحتياطي عالمي.
تحديات كبيرة تواجهها دول البريكس قد تتسبب بنشوب حرب عالمية
رغم قوة هذه التحالفات والتكتلات التي تقوم بها مجموعة هذه الدول بقيادة روسيا، إلا أنها ستواجه الكثير من العوائق والضغط على اقتصاداتها لإيجاد هذا البديل الذي يحل مكان الدولار ويقوض من سيطرته.
وتضيف يلين أن الدولار الأمريكي لم يفرض سيطرته إلا من خلال بيئة قوية من التشريعات ورؤةس المال لاضخمة والمؤثرة التي وفرت سيولة آمنة ومستقرة على نطاق كبير، وهذا ما لم يحققه نظام أي دولة لا في تشريعاته ولا في بنيته التحتية التي تجعل من عملتها المحلية مثيلة للدولار.
وتحدث نينر عن آثار انهيار الدولار كعملة احتياط عالمية، إذ أكد أنه وفي حال انخفضت قيمة الدولار بالفعل، فسيتعرض الاقتصاد لارتداد واضح وخاصة فيما يتعلق بالصادرات، مشيرا لوجود تهديد حقيقي لقيام حرب عالمية وانهيار الأنظمة العالمية والتجارية والعقارية.
مكاسب كبيرة للدولار الأمريكي حال إصدار العملة الرقمية الوطنية
كنا قد أشرنا لكم في مقال سابق، أن الدولار الأمريكي من المحتمل أن يبدأ في الانهيار مع بداية العام 2023 الحالي، بعد اعتقادات روبرت كيوساكي، مؤلف كتاب التمويل الشخصي “الأب الغني، الأب الفقير”، بأن العصر الذهبي للعملة الأمريكية لن يدوم طويلاً.
تجدر الإشارة إلى أن الولايت المتحدة متثملة بجهاتها التنظيمية ولجنة الأوراق المالية والبورصات، قد لعبت دورا سلبيا في تنظيم العملات الرقمية في السوق المحلية والعالمية، إذ كانت تقوم بتقويض تبني العملات الرقمية وخاصة المستقرة منها، وفرضت الكثير من الإجراءات التي أدت لخسائر كبيرة لكثير من الشركات.
ويعتقد الكثير من المسؤولين في الولايات المتحدة، أنه في حال قيام الجهات الرسمية للولايات المتحدة بإصدار العملة الرقمية للبنك المركزي، فإن ذلك سينعكس إيجاباً على سوق العملات الرقمية المحلية والعالمية، ويجلب الاستقرار لها، إضافة إلى الحفاظ على قوة الدولار، في ظل حرب ناعمة تشهدها السوق الأمريكية مع روسيا والصين.
وتقدم الولايات المتحدة كافة الجهود الممكنة لتقديم الحياة للعملة الرقمية الوطنية، في سبيل مواكبة التقدم التقني في أسواق العملات الرقمية العالمية، وذلك كونهم أيضا يرون فيها أنها الحل لمشكلاتهم على مختلف الصعد، والتي تكون ذات ارتباط وثيق بالبيتكوين والعملات الرقمية الأخرى.
سوق العملات الرقمية هو الحل لمشاكل الاقتصاد العالمي في الماضي والحاضر والمستقبل
ويُجمِع العديد من الباحثين وعلى رأسهم، ساتوشي ناكاموتو، أن العملة الرقمية البيتكوين قد ظهرت نتيجة لمخرجات المدرسة النمساوية الاقتصادية وحلفائها. ولاتزال تلك الفترة عالقة في أذهانهم، إذ يتفق أغلبيتهم على أن معيار الذهب كان الأفضل، مقارنة مع الخدمات المصرفية الاحتياطية والجزئية.
وتكرر حدث الأزمات المالية عام 2008 أيضا في العصر الحديث، لتكون البيتكوين هي الحل لتلك الأزمة. وبعد ذلك اتبعت الولايات المتحدة ومعها دول أخرى، سياسة التيسير الكمي، التي من خلالها قامت المصارف المركزية بشراء أدوات الدين الإشكالية، بمقابل تقييض نطاق إصدار الدولار، والحفاظ على سعر فائدة منخفض، مع تجنب خطر الوصول لحالة من التضخم الزائد في الوقت نفسه.
ويضيف ناكاموتو خلال حديثه عن مشاكل العملات التقليدية الورقية، أن أبر تلك المشاكل هو موضوع الثقة، فهو عامل مهم وضروري لنمو أي عملة والمحافظة على ثباتها في السوق، وهو ما بدأت تفقده السوق الأمريكية متمثلة بالدولار الأمريكي.
ويرى مجتمع العملات الرقمية أن حل جميع تلك المشاكل الاقتصادية يكون باللجوء لسوق العملات الرقمية نفسها، التي بدأت منذ حدث صدمة نيكسون في السبعينيات، واستمرت أضرارها على الاقتصاد العالمي إلى الآن.