شهدت منصات التواصل الاجتماعي، وخاصةً إنستاغرام، انتشارا واسعا لصورة داعمة لأهالي مدينة رفح جنوب قطاع غزة.. فما هي قصة هذه الصورة؟
ولاقت هذه الصورة تعاطفا هائلا من قِبل الجمهور والشخصيات البارزة عالميا، وجاء ذلك إثر حوادث أليمة شهدتها المنطقة بسبب ضربات القوة الإسرائيلية التي استهدفت مخيمات اللجوء، مخلفةً قتلى وجرحى من الفلسطينيين خلال اليومين السابقين.
وحظي العدوان الغاشم برد فعل شديد الانتشار، فضلا عن تنديدات وأحزان أعلنت عنها العديد من السلطات الرسمية والدولية.
ومن ناحية أخرى، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأن الهجوم الجوي على المخيم في رفح جاء نتيجة ’’خطأ تراجيدي’’، مُعلنا عزمه على البدء بتحقيق يخص الواقعة.
صورة رمزية لدعم رفح تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي
في غضون ذلك، تتابع صورة رمزية تحمل عبارة “All eyes on Rafah” أو “كل العيون على رفح” باللغة العربية، الظهور بكثرة على منصة إنستغرام، حيث تزايد إعجاب الناس بها ليصل إلى أكثر من 44 مليون متابع حتى هذه اللحظة، التي أُعد بها هذا التقرير، وهو رقم يتزايد بمرور الساعات، فما هي قصة هذه الصورة؟ وكيف بدأت؟
من أين بدأت عبارة ’’كل العيون على رفح’’؟
جدد الهجوم الإسرائيلي على مخيمات النازحين في رفح، التفاعل مع عبارة أطلقها ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ريك بيبركورن، في فبراير الماضي، عندما قال في حديث مع مجموعة من الصحفيين إن ’’كل العيون تتجه إلى رفح’’، كان حينها يحذّر من هجوم إسرائيلي على رفح.
وتحدث ببيركون من قطاع غزة، عبر اتصال عبر الإنترنت، مع الصحفيين بمقر الأمم المتحدة في جنيف، أنه يخشى وقوع كارثة إنسانية تفوق التصور إذا حدث توغل واسع النطاق من قبل الجيش الإسرائيلي في رفح جنوبي غزة.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن مسؤولين وناشطين راحوا يكررون عبارة ببيركون منذ ذلك الحين للتعبير عن قلقهم وتنديدهم بشنّ عملية عسكرية في رفح.
وفي الأشهر اللاحقة لذلك، حملت فعاليات شعبية شعار ’’كل العيون على رفح’’، للتعبير عن تضامنها مع المدينة التي تستقبل ما يزيد عن مليون ونصف مليون لاجئ من غزة، لعل أبرزها ما قامت به مغنية أيرلندية بتأليف أغنية بعنوان ’’كل العيون على رفح’’، تدعو فيها السياسين لوقف أي أعمال هجومية على المدينة، كذلك نفذ محتجون في مدن مختلفة وقفات تضامنية ترفع ذات الشعار.
وخلال الأسابيع الماضية، التي بدأت فيها إسرائيل عمليات في رفح، استخدم ناشطون وسم ’’كل العيون على رفح’’ في منشورات عبر منصات التواصل.
ما هو سر انتشار الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
في أعقاب الأحداث المؤلمة التي استهدفت مخيمات النازحين في رفح، قدّم شاب ماليزي مساهمة فريدة على إنستاغرام بنشره صورة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، إذ احتوت هذه الصورة على العبارة المعبرة عن التضامن مع رفح، التي أصبحت معروفة مؤخرا، وقد حظيت بتفاعل كبير تجاوز عتبة الـ44 مليون مشاركة حتى هذه اللحظة، من قِبل شخصيات لامعة كريكي مارتن، نجم البوب، والممثلة التركية، توبا بويوك أوستون، بالإضافة إلى بريانكا شوبرا من الهند، وكندة علوش من سوريا.
شدد ماهر النمري، الخبير في التسويق الإلكتروني والذكاء الاصطناعي، على أن الذكاء الاصطناعي توجه جهوده بالكامل وراء تصميم الصورة، والتي لا تمثل منظرا واقعيا من رفح، بل تُجسد صحراء شاسعة يُقام عليها خيام بأعداد ضخمة، تركيبها يُشكل معا جملة ’’كل العيون على رفح’’.
وبحسب النمري، فإن الأسلوب المتبع في نشر الصورة أسهم بشكل ملحوظ في دفع موجة التضامن للتوسع، فالطريقة التي اعتمدت على نقرتين فحسب للمشاركة خلقت سهولة لالتحاق ملايين الأشخاص بالحملة.
يُشير النمري كذلك إلى أن الأوضاع الراهنة في رفح والانفعال الواسع الذي صاحبها كان له دور في تعزيز النطاق الذي وصلت إليه الحملة التضامنية، مقارنةً بحملات أخرى لم تتمكن من تحقيق هذه الدرجة من الانتشار، معتبرًا أن الأحداث المستمرة في رفح تمس العواطف بعمق، وهو ما يُعزز من وصول الصورة.
ولم تتضمن الصورة أية مظاهر عنف أو صور لأشخاص محددين أو أسماء أو مشاهد مؤثرة، وهي عوامل يرى النمري أنها أسهمت في تسهيل تفاعل المستخدمين مع الصورة وانتشارها بهذه الكثافة دون الوقوع في تعقيدات تتعلق بسياسات استعمال إنستغرام.
كيف ساعدت ميزات إنستاغرام على انتشار واسع للصورة؟
تشير القصص المتاحة على حساب الشاب الماليزي الذي أطلق الصورة والمعروف باسم المستخدم shahv4012، إلى أنه اعتمد على خاصية عُرفت بـ ’’أضف لك – ADD YOURS’’ عندما نشر الصورة أول مرة، وكانت منصة إنستاغرام كان قد أضافت هذه الميزة في عام 2021، حيث تسمح للمستخدمين بأن يشاركوا صورة ويدعون آخرين للتفاعل معها على أساس التصفح الشخصي.
ووضح النمّري أن هذه الخاصية لاقت ميزات كبيرة لدى قطاعات مثل السياحة والسفر منذ بدايتها، موضحا كيف أن الشخص يمكنه نشر صور لأماكن يزورها أو لمقاهي ويتوقع من المتابعين إضافة صورهم الخاصة بهم، والتي بدورها تعمل على زيادة التفاعل بين المستخدمين على المنصة، وهو الهدف الذي تتطلع إليه إنستغرام.
وتطرق أيضا إلى كون تطبيق هذه التقنية في مجالات القضايا السياسية أو الاجتماعية أو قضايا الرأي العام يُعتبر نهجا نوعيا وحديثا، وزعم بأنه حين يبدأ أحد ما باستخدام هذا الأسلوب لدعم قضية سياسية، فإن الهدف يكون عادة تحفيز حملة تضامنية كبيرة الأمد، مشبها الأمر بكرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت.
حملة رفح التضامنية امتداد لحملات سابقة
لا تشكل هذه الحملة استثناءا في سياق التضامن عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ سبق وتضامن روّاد مواقع التواصل مع العديد من القضايا عبر حساباتهم الشخصية.
ففي السودان، تفاعل روّاد مواقع التواصل عدة مرات مع الأحداث والتطورات الحاصلة هناك، وخاصة بعد الأعمال العسكرية التي شهدتها البلاد وراح ضحيتها المئات ونزح الآلاف إلى مدن وبلدانٍ مجاورة.
ومن أبرز الحملات التي شهدتها البلاد عبر مواقع التواصل كانت حملة ’’أزرق من أجل السودان’’ عندما قام المستخدمون بتغيير صورهم الشخصية للون الأزرق للتضامن مع مظاهرات شهدتها الخرطوم وأصبحت تعبر لاحقا عن المطالب السياسية والاقتصادية.
وكذلك تفاعل المشاهير في عام 2023 مع الزلزال الذي شهدته مراكش في المغرب، والذي راح ضحيته الآلاف، إذ قاموا بنشر صور عبر خاصية القصص على حساباتهم على إنستغرام للتعزية وجمع التبرعات والتضامن مع أهالي الضحايا.
كما شهدت قصة لاجئة سورية تعرضت للعنف في تركيا أيضا حملة مشابهة عبر مواقع التواصل، طالب فيها الناشطون بتطبيق العدالة للاجئين ونبذ العنصرية ووقف العنف تجاههم.