يحتوي سوق العملات الرقمية على العديد من العملات والأصول الرقمية ورموز NFTs وغير ذلك من مشتقات العملات الرقمية، وبالطبع فإن لكل منها رصيد في السوق يحدد قيمة لتداولها، إضافة إلى أن إقبال المستخدمين عليها ومدى تحقيق العملة الرقمية لحاجة المستخدم، تلعب دورا هاما في تحديد سعر تداول العملة الرقمية وترفع الطلب عليها أيضا.
ولكن في سوق العملات الرقمية أمر مميز يلعب دورا في تحديد اتجاه السوق ككل، فبدلا من دراسة كل عملة رقمية على حدى، ومن ثم إيجاد متوسط النمو لهذه العملات مجتمعة، يمكننا النظر إلى العملة الرئيسية في السوق “وهي البيتكوين” ودراسة اتجاه نموها، الذي يكون في الغالب هو نفسه تجاه سير بقية العملات الرقمية.
تعد البيتكوين هي العملة رقم 1 في سوق العملات الرقمية، إذ تتصدر السوق من حيث حجم التداول والقيمة السوقية لها والتي تقدر بأكثر من 450 مليار دولار أمريكي، وبالتالي فإن لهذه العوامل مجتمعة دور هام في تحديد مسار سوق العملات الرقمية صاعد هو أم هابط، ذلك كون أن البيتكوين هي المهيمن على تعاملات السوق ولها الكلمة الأكثر ثقلا في تحديد مسار عمله.
وتسعى الكثير من العملات الرقمية لتكون مؤثرة في سوق العملات الرقمية ذات أهمية وتأثير كبيرين على تحريك سوق العملات الرقمية وتناميه، بما فيها الإيثيريوم وBNB وTether وغيرها من عملات المنصات الرقمية، إذ يمكن أخذها بعين الاعتبار كمؤشر جزئي يعطي قيم تحليلية لتداول بقية العملات الرقمية.
ولكن في مقالنا هذا سنقدم لكم الآلية التي تتم بها دراسة مخططات تحليل البيتكوين، وكيف يتم قراءة مخطط مؤشر هيمنة البيتكوين وآلية استخدامه.
نحصل على قيم مؤشر هيمنة البيتكوين من خلال مقارنة القيمة السوقية الإجمالية للبيتكوين مع بقية رأس المال لجميع العملات الرقمية في السوق، وكلما ارتفعت قيمة هذا المؤشر، كلما ازدادت هيمنة البيتكوين على سوق العملات الرقمية.
تحتوي مخططات هيمنة البيتكوين الموجودة على مواقع تحليل البيانات مثل TradingView، على أرقام بتنسيق النسبة المئوية (%)، وتكون المؤشرات واضحة يستطيع القارئ فهمها ومعرفة مقدار هيمنة البيتكوين على السوق بنسبة 50% أو 55% أو غير ذلك.
وبما أن عملة البيتكوين هي عملة رقمية ما تزال تعمل وفق بروتوكول إثبات العمل PoW، فإنه يمكنك عرض قيمة مؤشر هيمنة البيتكوين بالمقارنة مع العملات الرقمية التي تعمل أيضا وفق بروتوكول إثبات العمل فقط.
ويهدف مؤشر هيمنة البيتكوين إلى إعطاءنا وجهة نظر واقعية عن مستقبل سوق العملات الرقمية على المدى الطويل، لأنه وفيْ سوق العملات الرقمية توجد العديد من العملات الرقمية غير المنافسة للبيتكوين، أمثال العملات الرقمية المستقرة، لذلك فإن دراسة هذه العملات لا يمكن أن تُفيد في معرفة كيف سيتحرك السوق وما مؤشرات نموه أو عدمها.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤشر هيمنة البيتكوين، يعطيك خيار لاستبعاد عملة الإيثيريوم من التحليل الفني، والحصول على مؤشر هيمنة البيتكوين بالمقارنة مع بقية العملات الرقمية دونا عن الإيثيريوم.
من الطبيعي أن يؤثر مؤشر هيمنة البيتكوين على بقية العملات الرقمية الأخرى، لأنه وبالأساس نحصل على قيمة المؤشر من خلال مقارنة القيمة السوقية للبيتكوين مع مثيلتها لجميع العملات الرقمية الأخرى، ففي حال كان مؤشر هيمنة البيتكوين مرتفعا، فإن المؤثرين في السوق يوصون بزيادة رصيد البيتكوين أكثر من العملات الرقمية الأخرى، أما في حال كان المؤشر منخفضا، فيتم التوجيه لزيادة تخزين العملات الرقمية الأخرى أكثر من البيتكوين.
وبالتدقيق على دلالات مؤشر هيمنة البيتكوين، فإن البعض يأخذ المؤشر كدليل صارخ لتوجه السوق نحو الأعلى أم الأسفل، وهذا أمر خاطئ بلا شك، فلو فكرنا قليلا سنجد أنه من الممكن أن تسهم الأسواق الصاعدة في انخفاض هيمنة البيتكوين، لأن ذلك يؤدي إلى زيادة تخزين العملات الرقمية المرتفعة دونا عن البيتكوين، وبالتالي لا يمكن اعتبار مؤشر هيمنة البيتكوين مؤشرا دقيقا يمثل اتجاه السوق كاملا.
وكذلك الأمر لو كانت السوق تتجه نحو الهبوط، فإن المتداولين في السوق سيقومون ببيع مقتنياتهم من العملات الرقمية، والتوجه لشراء البيتكوين كونها تعتبر ذات موثوقية عالية، وحتى لو لم يقم المتداولون بشراء البيتكوين، فإن بيعهم لما يملكون من العملات الرقمية الأخرى، سيؤدي لتقليل حجمها مقابل البيتكوين، وبالتالي زيادة مؤشرات هيمنتها على السوق ككل.
وقد يعتقد قليلو الخبرة، أن انخفاض مؤشر هيمنة البيتكوين هو أمر إيجابي، لأن ذلك يدل على زيادة القيم السوقية لبقية العملات الرقمية الأخرى، وبالتالي فإن فرص استثمارية جديدة قد أتيحت في السوق، ولكن هذا كلام غير دقيق إطلاقا، لأن سوق العملات الرقمية يحتوي الكثير من العملات الرقمية الوهمية والمزيفة، وقد تشهد إقبالا كبيرا نتيجة عروض كاذبة وعمليات احتيالية يقومون بها، مما يوهم المستخدمين بأن القيمة الإجمالية للعملات الرقمية قد تضاعفت، ولكنه للأسف تضخم وهمي مصطنع.
ونتيجة لما سبق، نجد أن مؤشر هيمنة البيتكوين يقدم صورة سطحية عن تحرك سوق العملات الرقمية، لكن في حال دراسته جنبا إلى جنب مع مؤشرات أخرى، فإنك ستحصل على رؤية واضحة وكافية عن تحركات سوق العملات الرقمية على المدى الطويل.
لاستخدام مؤشر هيمنة البيتكوين في تحليل سوق العملات الرقمية، يحب معرفة أن مؤشر الهيمنة معرض للارتفاع أو الانخفاض في أي لحظة، وخاصة عند اهتمام سوق العملات الرقمية بإحدى العملات الرقمية الأخرى، أي أن مؤشر الهيمنة سينخفض حتما، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نمو أحد العملات الرقمية عدا البيتكوين، لا يعني بالضروروة نمو بقية العملات الرقمية.
إضافة إلى ذلك فإن الاستثمار في العملات الرقمية المستقرة لا يشير بالضرورة لانخفاض مؤشر هيمنة البيتكوين، وذلك لأنه يوجد احتمال كبير في استبدال هذه العملات بالبيتكوين لاحقا، كون هذه الطريقة تعتبر سهلة وآمنة ومستقرة، وما سيحدث هنا أن هيمنة البيتكوين تنخفض لفترة قصيرة، ولكن سرعان ما تنتعش وتعود للارتفاع، وبالتالي فإن التداول قصير الأجل سيتأثر سلبا.
وكما ذكرنا سابقا، يجب التحري عن العملات الرقمية التي تدخل سوق العملات حديثا، وخاصة تلك التي تلقى رواجا وإقبالا كثيفا، إذ من الممكن أن ترى تدفق مئات بل ملايين الدولارات نحو هذه العملات، مما يقلل من هيمنة البيتكوين، ويجعلك تظن أن بقية العملات الرقمية ستشهد نموا في الأداء، لكن سرعان ما تكتشف أن هذه العملات كانت احتيالية، ويسحب المستخدمون استثماراتهم منها، ليعود مؤشر هيمنة البيتكوين للارتفاع وفرض السيطرة من جديد.
وكانت هيمنة البيتكوين عندما دخلت سوق العملات الرقمية في البداية، تزيد عن نسبة 90%، ولكن كان ذلك قبل دخول عملات رقمية كثيرة لسوق العملات، ولا أحد يعلم إن كانت هذه النسبة ستعود للظهور مجددا، لكن الكثير يرجح عدم عودة ظهور هذه النسب، بسبب الانتشار الكبير للعملات الرقمية الخرى.
نستذكر معا أحداث انهيار منصة FTX العام الماضي، وكيف لحق بها الكثير من المنصات ومشاريع العملات الرقمية الضعيفة، التي لم تستطع مواجهة آثار هذا الانهيار والتضخم الكبير في السوق العالمية، وذلك ليس خاصا بالعام 2022 فقط، بل إنه يمكن أن يحدث في أي لحظة، إلى جانب ذلك فإن ارتفاع مستويات تبني البيتكوين معملة رسمية وشرعية كما فعلت السلفادور، سيسهم جنبا إلى جنب في ارتفاع مؤشرات هيمنة البيتكوين، وقد تصل إلى تلك النسب الكبيرة التي لا يتوقع أحد عودة ظهورها أبدا.
ويتوقع الكثيرون في الوقت الحالي، انخفاض مؤشرات هيمنة البيتكوين إلى مستويات جديدة، لأن العديد من مشاريع العملات الرقمية الأخرى تشهد مستوى نمو مرتفع، مع ازدياد شعبيتها وعدد متداوليها.
وبناء على ذلك، يتوجب على من يريد الاستدلال بمؤشر هيمنة البيتكوين، أن يعلم ويراقب الوقت الذي تتجه فيه هيمنة البيتكوين للأعلى بشكل كبير، أو عكس ذلك، وكيف سيتفاعل سوق العملات الرقمية مع هذا التغير، لأنه وبالتأكيد قد حدث أمر جلل في السوق أدى لصعود او هبوط هيمنة البيتكوين بنسب فارقة.
يتبادر للذهن عند معرفة انخفاض قيمة البيتكوين، أن مؤشر هيمنة البيتكوين قد انخفض هو الآخر، وأن المستثمرون قاموا بنقل استثماراتهم لعملات رقمية أخرى، ولكن انخفاض سعر البيتكوين لا يعني بالضرورة قيام المالكين ببيع مدخراتهم والتوجه لعملات رقمية أخرى.
وعندما يشهد سوق العملات الرقمية لحركة تدفق للأموال خارج السوق، فإن ذلك قد يصيب البيتكوين أيضا وتنخفض مؤشرات هيمنته، ولكن بما أنه انخفضت القيمة السوقية الإجمالية لبقية العملات الرقمية، فإن مؤشر هيمنة البيتكوين سيتأثر بشكل نسبي، وقد يرتفع بدلا من أن ينخفض أيضا.
وهنا نعود لنذكركم بأن مؤشر هيمنة البيتكوين ليس المعيار الوحيد للاستدلال على حركة سوق العملات الرقمية وتوقع آفاق نموه على المدى البعيد، بل يتوجب النظر في عدة معايير وأمور أخرى مهمة تساعد في الحصول على المعلومات الكافية لاستثمار ناجح.
بصرف النظر عن مؤشر هيمنة البيتكوين، لطالما أدى انهيار سعر البيتكوين عبر التاريخ بشكل كبير إلى انهيار سوق العملات الرقمية ككل، إلا في بعض الحالات الاستثنائية القليلة، ويعود الارتباط الوثيق بين البيتكوين وانهيار السوق بأكملها، إلى أن البيتكوين هي العملة الرقمية الأولى في السوق، ويجري تداول العملات الرقمية الأخرى بناء عليها.
وفي حال قامت إحدى الدول الصديقة للبيتكوين، بإلغاء التعامل بالبيتكوين وحظرها، وأدى ذلك لانخفاض كبير في سعر البيتكوين، فإن المستثمرين سيفقدون الثقة ببقية العملات الرقمية، وسيؤدي ذلك إلى قيامهم بسحب الأموال من بقية منصات العملات الرقمية الأخرى كما سيكونون قد فعلوا مع البيتكوين.
وقد لا يرتبط انهيار البيتكوين بانهيار سوق العملات الرقمية ككل، ففي كثير من الأحيان وعندما كانت البيتكوين تعيش أوقاتا صعبة، كانت الإيثيريوم في حالة من الاستقرار، فلبعض العملات الرقمية غرض محدد يختلف عن الآخر، هناك العملات الرقمية المستقرة وهناك عملات رقمية للألعاب والمحافظ الرقمية وغيرها من الأمور والأغراض المتنوعة، لذلك فإن هبوط إحدى العملات الرقمية لا يرتبط بأخرى.
مع زيادة الوعي ومستوى المعرفة المرتبطة بالعملات الرقمية، وانتشار الكثير من مشاريع العملات الرقمية المنافسة والقوية، فقد يكون انهيار البيتكوين أقل تأثيرا في المستقبل على سوق العملات الرقمية بشكل عام، ولكن وفي وقتنا الحاضر مايزال مؤشر هيمنة البيتكوين مهما في التحليل والدراسة كونها العملة الرقمية الأكثر شعبية، ولكن إذا ما استمرت العديد من مشاريع العملات الرقمية بالنمو وأخذ حصة كبيرة في السوق، فإن هيمنة البيتكوين وقتها ستكون مؤشرا أقل أهمية ومتابعة.