وصلت أسعار الفائدة لسندات الخزانة الأمريكية الآجلة إلى أعلى مستوى لها منذ أزمة العامين 2008 و2009، وبالتالي فالسوق بحاجة لسيولة إضافية نتيجة الارتفاع في مستويات التضخم، وهذا ما تعتقده كذلك وزارة الخزانة الأمريكية، وتعمل على حله لاحتواء الأزمة الحالية ومنع تكرار السيناريوهات التاريخية السيئة.
وصلت مستويات الدين الأمريكية إلى حد غير مسبوق، إذ ارتفع الدين الوطني الأمريكي إلى ما يزيد عن 31.54 تريليون دولار، ليتجاوزا بذلك الحد الموضوع والمسموح به نسبيا والمقدر بـ31.4 تريليون دولار، وبالتالي فإن معدلات التضخم المرتفعة تكلف الخزانة الأمريكية كثيرا من الديون، ففي عام 2022 قامت بإنفاق أكثر من 853 مليار دولار إضافية لتغطية العجز في الميزانية، بسبب ارتفاع الفائدة المرتبطة بقيمة سندات الدين الكبيرة.
وبشكل طارئ وعاجل قام الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى جانب وزارة الخزانة الأمريكية، بإنذار مجلس الكونغرس للمرة الأخيرة من أجل رفع سقف الاقتراض للحد الأقصى دون البت أو النقاش في هذا القرار، إلى جانب الإعلان عن تحرك كبير من أجل إعادة تنظيم سوق العملات الرقمية.
وبالتالي فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيكون أمام سيناريو زيادة طباعة الدولار، بهدف شراء سندات الدين الأمريكية ومحاولة خفض أسعار الفائدة المترتبة على هذه السندات المقدرة بتريليونات الدولارات، الأمر الذي يؤكد خطورة الوضع وتعقيده على الساحة العالمية وليس المحلية فقط.
وتأتي هذه التحركات عقب إعلان وزارة العمل الأمريكية والأشغال عن نسب التضخم الخاصة بشهر يناير للعام 2022، والتي وصلت لحدود 6.5% على أساس سنوي، مما آثار ضجة كبيرة لأن التوقعات كانت تشير إلى أرقام لا تتعدى حدود 6% فقط.
وشكلت هذه الأرقام صدمة كبيرة للمجتمع المحلي، خاصة بعد ارتفاع مؤشرات أسعار الطاقة والغذاء أيضا لتصل إلى 5.7%، لتكون كلتا النسبتين هي الأكبر خلال الـ40 عاما الأخيرة.
وأثر الإعلان عن بيانات هذه المؤشرات بشكل مباشر، على سعر البيتكوين الذي ارتفع بشكل فوري بأكثر من 2000 دولار خلال النصف الأول من شهر يناير للعام 2023.
قامت السلطات الأمريكية المشرفة على تنظيم سوق العملات الرقمية، بمشاركة الخطط القادمة التي تهدف لإعادة تنظيم سوق العملات الرقمية، فقد طلبت إدارة بايدن من الكونجرس الأمريكي مؤخرا، أن يتم توسيع سلطة المنظمين في مراقبة قطاع العملات الرقمية.
إلى جانب أن أربعة من كبار المسؤولين في البيت الأبيض قد قاموا بنشر بيان خاص بعنوان “خارطة طريق الإدارات للتخفيف من مخاطر العملات الرقمية”، وقام مجلس الكونجرس الأمريكي بالتأكيد على أهمية تكثيف الجهود لوضع لوائح تنظيمية جديدة لسوق العملات الرقمية.
بينما أشار الرئيس الأمريكي جو بايدن في تغريدة عبر حسابه على التويتر، إلى أن الأجور قد ارتفعت، وأن معدلات التضخم السنوية قد انخفضت على مدار الستة أشهر الأخيرة، إلى جانب ازدياد في فرص العمل المتوفرة للأمريكيين لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ أربعين عاما مضت، وبالتالي فإن جميع هذه المؤشرات مجتمعة تدل على نجاح خطته الاقتصادية وأنها تعمل بفعالية وحيوية.
بالانتقال للحديث عن علاقة البيتكوين بكل ما تقدمنا به سابقا، نجد أن سعر البيتكوين قد أظهر تحركا في السعر نحو الأعلى بشكل متزايد منذ بداية يناير الجاري وحتى تاريخ اللحظة، وذلك بسبب تغيير بنك الاحتياطي الفيدرالي لسياساته الحادة وتخفيف ثقل كاهلها على سوق العملات الرقمية، إلى جانب اكتساب شبكة البيتكوين لمستثمرين جدد بشكل كبير خلال الفترة الماضية.
ويأتي تخفيف الفيدرالي الأمريكي لحدة سياسته النقدية، بعد الخسائر التي تكبدها سوق العملات الرقمية العالمية من هذه السياسات، التي لم تنفع بشيء سوى فرض المزيد من العبء على منصات العملات الرقمية، وأن اللوائح التشريعية التي من المفروض لها تنظيم سوق العملات الرقمية، اتضح أنها هشة وتسقط عند أول مشكلة أو اختراق يهب عليها.
تشير البيانات إلى أن عدد عناوين المحافظ التي تحوي 1.4 من البيتكوين، قد ازدادت من 2.3 إلى 4.1 مليون عنوان، فيما لم تزدد عناوين المحافظ التي تملك 1.27 من البيتكوين أو الإيثيريوم، بينما ارتفع عدد عناوين المحافظ التي تملك 1.4 من الإيثيريوم لتصل إلى 73 مليون عنوان متخطية الرقم السابق المقدر بـ41.1 مليون عنوان.
وحظيت الأشهر الثلاث الأخيرة من عام 2022 بازدياد نمو عناوين محافظ البيتكوين بنسبة متوسطة بلغت 9.7%، بينما كانت نسبة النمو المتوسطة المقابلة للإيثيريوم تعادل 10.4%، بينما كان متوسط النمو على مدار التسعة الأشهر البقية من السنة تشكل ما نسبته 7.3% للبيتكوين، ونسبة 7% للإيثيريوم، إذ شهدت كلتا العملتان في تلك الفترة مستويات سيئة في الأداء، انهارت فيها إلى مستويات لم نشهدها منذ أزمة 2020.
يتكهن الكثيرون حول التوقعات للأداء المستقبلي لكل من البيتكوين والإيثيريوم، عقب تحرك كلاهما للارتفاع نحو الأعلى، فالبعض يتوقع انهيار البيتكوين وتكرار السيناريوهات السيئة لعام 2020، بينما على الجانب الآخر يتوقع آخرون وصول البيتكوين إلى 250 ألف دولار.
وكانت البيتكوين قد كسرت حاجز 23 ألف دولار بينما الإيثيريوم كسرت اليوم حاجز 1.6 ألف دولار، وكان تصحيح حيتان البيتكوين لاتجاه عملهم دور في نمو البيتكوين وبدء تعافي السوق، إلى جانب مساهمة مميزة وغير متوقعة من جانب شبكة كاردانو، التي تتصدر اليوم عناوين الصحف والأخبار حيال ما تقدمه من تقنيات وخدمات متنوعة ومميزة.
ويبقى مصير البيتكوين متعلقا بعدة أمور متشابكة، يبقى على رأسها سياسة الاحتياطي الفيدرالي ومدى الانخفاض القادم في أسعار الفائدة، بعد التحرك الغير مسبوق من الرئيس الأمريكي بشكل مباشر وفوري دون الرجوع حتى لمشورة الكونغرس أو موافقته، وبالتالي فإننا على موعد لرؤية صراع سيتولد بين الرئيس الأمريكي ومن يحابيه من جهة، وبين الكونغرس الأمريكي الذي اعتاد أن يكون المرجعية الأعلى في اتخاذ القرار.
ومع ظهور العديد من التطبيقات المرتبطة بعلوم الذكاء الاصطناعي، وتَوجّه العديد من منصات العملات الرقمية الجديدة للاعتماد عليها، مثل Dall-E وDeep AI وJasper Art وStarry AI وNightcafe وغيرها الكثير، فإنه لمن الجيد توجه المستخدمين والأشخاص للبحث والتقصي عن هذه المشاريع وغيرها، بهدف إيجاد المعلومات الشافية والوافية عن أي استثمار والحصول على رؤية موضوعية سليمة قبل البدء باستثمار قد يكلف مستقبلا خسائر طائلة.
إن ازدياد شعبية الذكاء الاصطناعي دفعت مشاريع بلوكتشين للتحرك لتكامل التقنيتين معا، فقد تطورت الأمور بشكل انسيابي، ليصل الأمر إلى توجه المشاريع القائمة على تقنية بلوكتشين بدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في بروتوكولاتها، وخاصة مع تزايد الطلب على المشاريع القائمة على الذكاء الصنعي، كما هو الحال لدى عملة مشروع singularitynet.io مثلا، إذ ارتفعت عملة AGIX الرقمية بأكثر من 293% في شهر واحد فقط، إذ يسعى مشروع العملة الرقمية لدعم مشاريع الذكاء الاصطناعي اللامركزي للجيل القادم.
وبالعموم فقد شهدت معظم العملات الرقمية المرتبطة بعلوم الذكاء الاصطناعي نموا وتزايدا في الشعبية بشكل كبير وغير متوقع، كانت معظمها تصل حتى نسبة 75% بشكل وسطي، وذلك بسبب زيادة الطلب على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته وخاصة خدمة المحادثة الذكية Chatgpt.
لكن رغم ذلك فإن المعطيات الحالية لا تملك مؤشرا كافيا يبين مدى استقرار هذا الطلب والارتفاع في مشاريع العملات الرقمية، التي تحولت فيها حركة الأداء لترتبط ارتباطا وثيقا بشعبية علوم الذكاء الصنعي ومدى الإقبال عليه، ونأمل أن يكون تكامل تقنيات بلوكتشين مع علوم الذكاء الاصطناعي أن تسهم في نمو السوق وتعافيه، والحد من تأثيرات مؤشرات التضخم المتزايدة، التي أثقلت كاهل عالم العملات الرقمية ومحبيه، وكبدتهم خسائر كبيرة معنوية أكثر من أن تكون اقتصادية.