أثبتت تقنية بلوكتشين نجاحها في جميع المجالات التي استعملت فيها إلى الآن، وأصبحت محط أنظار الجميع ومصدر يعتمد عليه في حل المشكلات التقنية، وخاصة المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات.
وبسبب كثرة الاعتماد عليها مؤخراً، فلا بد لها أن تشهد مزيدا من الأبحاث عليها لتطويرها، وزيادة مجالات الاستفادة منها.
تأتي تقنية بلوكتشين بخدماتها المتطورة، لتجديد آليات العمل ومواجهة المشكلات المحتملة، وخاصة في قطاع العملات الرقمية، لكن يرى نقاد هذا المجال أن تلك التقنية لا تعمل إلا في مفاصل حساسة في تعاملات السوق الرقمية، وفقط في مجال التمويل دونا عن غيره.
لكن تقنية بلوكتشين تخطت ذلك بكثير، بدءا من اللامركزية، وانتقالا لتقديم تكنولوجيا العملات الرقمية للجميع بدرجة موثوقية عالية، وصولاً للحصول على تحول نموذجي في هيكلية السوق ككل.
وتعتبر منصات العملات الرقمية وسيلة مكملة لبورصات التداول الورقية، خاصة في الحالات التي تفرض فيها عقوبات على الدولة، وبالتالي عدم مقدرتها على إجراء المعاملات المالية المرتبطة بالاستيراد والتصدير مثلاً كما كانت قبل، لتأتي منصات العملات الرقمية ذات تقنية بلوكتشين كحل ناجع، تخطت فيه كل الحواجز والرقابات المالية العالمية.
وبالحديث عن المجتمعات التي تكون بعيدة عن العالم المالي، وتسعى لتمتلك إدارات شفافة وواضحة، تعتمد اللامركزية في جميع مراحل عملها، فسيكون استخدام تقنية بلوكتشين مفيدة جداً للوصول إلى تلك الغاية.
إذ استطاعت التقنيات الرقمية الحديثة، أن تقدم الكثير للمجتمعات وتحسن من مستوى أداء أعمالها في مختلف مفاصل الحياة اليومية، مثل تنظيم طلبات القروض بشكل عادل ومتكافئ على أسس علمية ومعرفية، أو تسهيل عمليات الانتخاب والاقتراع، واستبدال صناديق الانتخاب الكثيرة بصندوق واحد جماعي الكترونيا.
وبلوكتشين بحد ذاتها فرضت معادلة جديدة فيما يتعلق بالديمقراطية، ليس فقط في الجوانب السياسية، وإنما في مختلف المجالات التي تتطلب اختيار من متعدد، في انتخابات أو مسابقات أو منافسات وغيرها، فبدلاً من أن يكون اختيار الفائز تابعا لأهواء شخصية أو اعتبارات الصداقة وزمالة العمل، أو حتى دفع المال لضمان الفوز، يمكن لهذه التقنية أن تختار الفائز الذي يستحق ذلك، بكل موضوعية وشفافية وبشكل عشوائي من بين الأشخاص المتساويين في فرص الفوز، إضافة إلى إرسالها لجوائز الفائزين إليهم مباشرة.
تستطيع بلوكتشين ببيئتها أن تساهم في دعم الأنشطة التجارية المحلية وحتى الناشئة منها. حيث تستطيع أن تمتلك سجلات مضمونة للمشاركين في تلك النشاطات، وحل مشاكل المحاسبة المرتبطة بحسب التقييمات الفردية لكل منهم، وإعطاء كل ذي حق حقه.
إضافة إلى سماحها لجميع المساهمين في تلك الفعاليات المحلية الاقتصادية، الولوج إلى الشبكة ومعرفة جميع البيانات المرتبطة بنظام المحاسبة المعتمد، وبالتالي يستطيع القائمون عليها أن يحللوا تلك البيانات، ويضيفون خطط جديدة ترتبط بأنظمة الحوافز المالية والمكافآت للموظفين لديهم.
ويمكن استخدام نظام المحاسبة من قبل تلك الفعاليات، مثل محلات البقالة أو المجمعات التجارية، في تقديم خصوم لزبائنهم، من خلال إحصاءات المبيع المعتمدة على بطاقات الائتمان الخاصة بهم، ليعرفوا من خلالها أكثر زبائنهم ارتيادا لهم، ومن ثم إخطارهم بمكافأتهم أو حسمهم الخاص في المرات القادمة.
ومن أهم المزايا التي تتمتع بها بنية تقنية بلوكتشين، هي الحماية من التزييف بشكل تام تقريبا، وأقل تكلفة من تطوير تقنيات مماثلة له مثل Web2، التي ستطلب إضافات للتعامل مع بطاقات الائتمان وتطبيقات الدفع الرقمية.
رغم قدرة تقنية بلوكتشين على التواجد في الكثير من القطاعات، وحلها لكثير من المشاكل الروتينية والتقليدية، وتوفيرها لكثير من الجهد والوقت والمال، إلا أن استخدامها ما يزال محدودا جدا.
ويعود سبب ذلك إلى وجود صعوبات في التعامل مع تلك التقنية، بسبب البرامج التي يمتلكها المستخدمون، والتي لا تتلائم مع التقدم التقني لها، إضافة إلى حاجتها لوجود بنية تحتية ملائمة لعملها بشكل مرن وسلس، والتي تتطلب وقتا جيدا لاكمال تجهيزها على أرض الواقع، الأمر الذي سيتطلب نفقات مادية لا بأس بها.
وهنا لا نجد فرصة لاستخدامها سوى في الشركات الكبيرة، والقطاعات الحكومية المدعومة ماليا، والتي تستطيع تخصيص اعتمادات مالية لهذا الأمر، لإكمال تجهيزها بشكل تام ومن ثم الترويج لها ليتم العمل بها مباشرة، والذي يعتبر بالنسبة للحكومات أو القطاعات الحكومية أمرا سهلا للغاية، فعندما توصي جهة حكومية بتقنية ما، فإن ثقة شعوبها تزداد بها، وتقل الاستفسارات حولها، مما يزيد انتشارها بسرعة كبيرة.
وبالتالي يجب دمج المشاريع، المرتبطة بتقنية بلوكتشين، ببرامج عملية مألوفة لدى المجتمع، لتحقق انتشارا ناجحا في المجتمعات المحلية والعالمية، دون دعم كبير وتكاليف مادية إضافية.
وعلى سبيل المثال، يمكن دمجها بتطبيق تليغرام للتواصل الاجتماعي، الذي تستخدمه مختلف فئات المجتمع بكافة الأعمار، لتتمكن من خلاله الترويج لها وتعريف الناس بها وبإمكانياتها، وكسب الثقة التي تعتبر أهم عامل يحقق النجاح في أي مجال.
وعندما تصبح بلوكتشين، أو غيرها من التقنيات الحديثة، بطبيعة عملها مألوفة للجميع، كما هو الحال في طريقة إرسال رسالة أو صورة من أي تطبيق تواصل، عندها يمكن القول بأن تلك التقنيات تستطيع أن تحقق انتشارا جماعيا كبيرا، وأن تصبح مؤثرة على نمط حياة المجتمع وعاداته.