حديثا وقبل ساعات، أعلن كبار الضباط في الغابون عن انقلاب عسكري وحل الدستور والحكومة والمؤسسات في الدولة، وتم إغلاق الحدود بشكل كامل بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة التي تمخضت بفوز علي بونغو بولاية دستورية جديدة.
متغيرات جيوسياسية كثيرة تنبئ بحرب كارثية وشيكة
يأتي هذا التصعيد في وقت شهدت فيه الساحة العالمية العديد من المتغيرات بما فيها منقطة إفريقيا، وعلى حد التعيين منقطة جنوب إفريقيا التي يصفها المحللون بأنها حديقة فرنسا الخلفية، من أبرز الأحداث التي تركت بصمتها على المشهد العالمي هي:
- تأجج الصراع الأوكراني والروسي
- حدوث انقلاب عسكري مفاجئ في النيجر
- التدخل الفرنسي في النيجر
- اغتيال بريغوجن “قائد قوات الفاغنر”
- حصول أوكرانيا على معدات عسكرية كبيرة وخصوصا من فرنسا
- وضع جسر القرم على رأس قائمة الاستهداف
- حدوث انقلاب عسكري اليوم في الغابون
تعد الأحداث السابقة وفق تسلسلها المذكور أكبر دليل على مدى ترابطها، فبعد تأجج الصراع بين روسيا وأكرانيا، وإعلان حلفاء أوكرانيا عن دعمها بأسلحة إضافية وتزويدها بطائرات F16، ارتفع مستوى التوتر بين الدولتين وعلى الساحة العالمية.
كما يقول بعض المحللون أن أوكرانيا قد حصلت على ضوء أخضر لضرب جسر القرم وتدميره بالكمال، من أجل فصل جزيرة القرم عن روسيا، وضرب الوجود الروسي في بحر أزوف والبحر الأسود، والذي يشكل قوة ضاربة لروسيا ككل، ويهدد القوة العسكرية لدول حلف الناتو والدول الغربية.
هل أصبحت السياسة الأمريكية مصدر إلهام للجانب الروسي؟
يعلم الجميع أن السياسة الأمريكية هي قديمة جديدة، تقوم على إثارة التوتر في عدة مناطق متفرقة، وفي كل مكان تسنح لها الفرصة بتأجيج صراع أو نزاع مسلح، من أجل جعل الحكومات والدول مشغولة بنفسها وبصراعاتها الداخلية فقط، ولا تتفرغ لتنمية نفسها وتطوير قدراتها.
نجحت هذه السياسة في إحداث عدة حروب عالمية ودولية، كان أبرزها حروب الخليج والتدخل في ليبيا ومصر وتونس والعراق وسوريا، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بداعش، والذي آثار دمارا كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وتسببت بخسارة كبيرة في الأرواح البشرية والتراث الإنساني والحضارة العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا يندرج تحت خطط الصهيونية العالمية في تهويد الحضارة الإسلامية والعربية ومحاولة محو اسمهم من التاريخ في المستقبل.
ويبدو أن تزايد الضغط على روسيا وحلفائها في المنطقة، دفعها لاتباع نفس السياسة مع الدول التي تعتبر نفوذها وولائها منضويا تحت راية الغرب، وخصوصا منطقة جنوب إفريقيا التي يلقبها المحللون بالحديقة الخلفية لفرنسا، فهي تستفيد من مواردها النفطية بالدرجة الأولى وتحصل على عدة مواد نفيسة كالذهب والألماس والمغنيزيوم وحتى الأخشاب أيضا، وبهذا التوتر تكون روسيا قد ضربت نفوذ فرنسا في خزان الثروات الاستراتيجي الذي يقتات منه الغرب سابقا وحاليا فقط.
سيناريو الانقلابات يفرض نفسه في إفريقيا ومحاولات لبتر النفوذ الغربي العالمي
حدث في منطقة إفريقيا خلال الأعوام القليلة الماضية 4 انقلابات، أولها انقلاب في مالي وبوركينافاسو، وآخرها انقلاب في النيجر والغابون، يرجع البعض أن تكون روسيا من تقف وراء هذه الانقلابات، وذلك للإطاحة بالأنظمة التي تدعم الغرب وفرنسا بالدرجة الأولى ولتقطع موارد الخزان الاحتياطي عن منافساتها، بعدما أوقفت تمرير الغاز المسال عبر خطوط نورث ستريم وساوث ستريم التي تم تدمير جزء منها فيما بعد.
كما أن اغتيال قائد قوات فاغنر جاء قبل إشاعة أخبار تجهيز ضربة للقرم، وهذا يعني أن ردة الفعل الغربية على اغتيال من وقف بجانبهم من قبل في قيادة انقلاب عسكري ضد روسيا، جاءت سريعة، وهذا ما دفع الدب الروسي للتحرك والرد على المواقف الفرنسية التي تؤيد أوكرانيا في حربها وتدعمها بالسلاح والتجهيزات اللوجستية التي تطلبها.
ولمن لا يعلم ما هي القوة الاستراتيجية لدولة الغابون ذات الشعب الفقير والتي تقع في القارة الإفريقية، فهي دولة منتجة ومصدرة للنفط تمتد على رقعة 270 ألف كيلومتر مربع، عضو في منظمة أوبك العالمية، تعد 5 أكثر منتج للنفط في جنوب القارة السمراء، تملك الكثير من المعادن النفيسة والموارد المهمة التي تدخل في الصناعة أبرزها المغنيزيوم والخشب، والذين تحصل عليهما فرنسا أولا بأول، إلى جانب الاستيلاء على المخزون النفطي للدولة.
استقلت الغابون عن فرنسا، فهي كانت خاضعة للانتداب الفرنسي مثلها مثل العديد من الدول الإفريقية والآسيوية كمالي ومصر وسوريا وغيرها، ولكن رغم ذلك ما تزال فرنسا تملك مفاتيح السلطة في المنطقة الجنوبية لإفريقيا، فمنذ استقلال الغابون وحتى تاريخ اليوم، كانت عائلة بونغو تحكم الدولة على مدار 56 عاما متواصلة، عانى فيها الشعب الغابوني الكثير.
ما هي تصريحات المجلس العسكري الذي قاد الانقلاب في الغابون؟
يشار إلى أنه وبعض حل الحكومة وعزل الرئيس في الغابون ووضع أحد أبنائه في السجن، أعلن المجلس العسكري للجيش الغابوني عن تعيين الجنرال بريس أوليغي نغيما قائدا للمرحلة القادمة، إذ كان يشغل نغيما القائد الأعلى للحرس الرئاسي في الغابون.
وصرح نغيما لصحيفة “لوموند” الفرنسية اليوم أن الرئيس علي بونغو أونديمبا قد أحيل للتقاعد، مشيرا إلى أنه سيبقى مواطنا يتمتع بكافة حقوقه الطبيعية كأي مواطن غابوني عادي، فهو انتهك الدستور ولم يكن يملك الحق في تولي الرئاسة لمرة ثالثة، لذلك قرر الجيش الغابوني تولي مسؤولياته وقيادة المرحلة القادمة.
وأضاف: “أُحيل إلى التقاعد ولديه كل حقوقه، هو مواطن غابوني عادي مثل أي شخص آخر.. لم يكن لديه الحق في تولّي فترة ولاية ثالثة، وانتُهك الدستور (..) لذلك قرر الجيش تولّي مسؤولياته”.
وأضاف نغيما في تصريحه للجريدة الفرنسية أنه لم يعلن نفسه زعيما للمرحلة الانتقالية بعد، ولا يفكر في شيء محدد حاليا، المسألة بحاجة لوقت وسيناقش توجهات المرحلة المقبلة مع جميع الجنرالات، بحيث يتم التوافق على رؤية واحدة واختيار الأفضل للجميع، إلى جانب تحدي الشخص الذي سيقود الفترة الانتقالية.
ما هي ردود الفعل العالمية بعد الانقلاب العسكري في الغابون؟
أما عن ردود الفعل العالمية بعد انقلاب غابون، فقد أعربت وزارة الخارجية الفرنسية عن قلقها من الوضع هناك، وتأمل في الوصول إلى صياغة تفاهم وعودة الاستقرار وسيادة الدستور في الدولة، بينما أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى متابعتها للوضع في الغابون عن كثب وأنها قلقة من حجم التوتر في المنطقة، مؤكدة على دعمها لديمقراطية الشعوب ورية الرأي السياسي.
بينما صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، عن قلق بلادها من الوضع في الغابون آملين أن يسود الاستقرار في البلاد بعدما تسلم نغيما زمام الأمور، بينما كان تصريح وزارة الخارجية الصيني حياديا إلى حد كبير، فقد أشار وزير الخارجية الصيني إلى مراقبة بلاده للوضع متمنيا عودة الهدوء للمنطقة.
ليس من الواضح بعد إذا ما كانت روسيا من قدمت الدعم للمعارضة في غابون لتقوم بهذا الانقلاب على الحكومة ورئيس الدولة وتعلن حل المؤسسات، وليس مستبعدا أن يتكرر السيناريو في المستقبل القريب في بقية دول جنوب إفريقيا مثل نيجيريا والكاميرون والكونغو وغيرها من الدول، لكن مما لا شك فيه أن التوتر السياسي في الساحة العالمية يشتعل بوتيرة متسارعة وقد يتطور مع مرور الوقت إلى حرب مباشرة بين روسيا وأمريكا في محاولة لسعي هذه الأقطاب للسيطرة على موارد العالم والتفرد في قيادة العالم.