يشهد كوكبنا اليوم أزمة حقيقية في تأمين مصادر الطاقة اللازمة لضمان سيرورة حياتنا اليومية بشكل طبيعي، ويذكر أن تلك الأزمة قد أثرت بشكل أساسي على قطاع تعدين العملات الرقمية، لكن نتأمل وجود شيء من الأمل في الظروف الحالية للاقتصاد عامة، بما ينعكس إيجابا على تعدين العملات الرقمية وسوقها.
وتشهد القارة الأوروبية العجوز نقصا في واردات الغاز والنفط، ناهيك عن الارتفاع الكبير في أسعارها وخاصة قطاع الكهربا، الأمر الذي انعكس سلبا على أسعار المواد الأساسية للمواطنين هناك، إضافة إلى التوجه الكبير الأخير نحو مصادر الطاقة الطبيعية كالفحم وغيره، الذي شهد زيادة في استخدامه بنسبة 14% عن العام الماضي في أوروبا وحدها، ومن المتوقع وصوله حتى نسبة 17% حتى نهاية العام الجاري.
وتشير البيانات الحالية إلى وجود تفاقم كبير في الأسعار، الذي ينذر بكوارث قادمة غير مُبشّرة، فأسعار الغاز وحدها قد تضاعفت في الفترة الأخيرة بنحو 10 أضعاف، عما كانت عليه خلال العقد السابق، والتي وصلت حتى سعر 335 دولار مقابل كل ميغاواط ساعي، مسجلة بذلك مستوى قياسي غير مسبوق.
وبالنسبة للتوقعات الشتوية لقطاع الوقود، فمن المتوقع أن تشهد أمريكا ارتفاعا هائلا يصل حتى نسبة 28%، مقارنة بالعام الفائت، وسيسجل مستوى قياسي بالوصول إلى مستوى 931 دولار.
يمكن أن نقول أن هذه التوقعات والتضخمات الكبيرة في قطاع الطاقة العالمي، ستؤثر بلا شك على قطاع العملات الرقمية بشكل كبير، وتكمن التساؤلات عن كيفية مواجهة هذه التحديات، وهل ستكون طويلة الأمد، أم ستنتهي على خير قريبا؟
يقول ماتيس فريس، الذي يعد مؤسس ورئيس شركة بلوكتشين AllianceBlock، إن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة عصيبة لعدة أسباب، أهمها أزمة الطاقة في الغرب خاصة، إضافة إلى الركود في الاقتصاد العالمي ومستويات التضخم الغير مسبوقة، والتوترات والنزاعات السياسية بين عدة دول وأقاليم.
والأمر يرتبط بالسيولة التي تتعلق بالمناخ الاقتصادي، فهذه السيولة هي من تضمن استمرار آليات بلوكتشين بالعمل، لذلك عندما يكون المناخ العام سيء، فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض السيولة في السوق، وبالتالي انخفاض في عدد المعاملات التي يجب تدقيقها، وإجمالي رسوم وحوافز أقل.
ويتشارك كل من فريس ويوري سنيغور، الرأي إلى حد ما حول تأثر المعدنين من مشكلة إمدادات الطاقة، فالأول يرى أنه من الممكن أن تكون هناك حوافز إضافية، ذلك في حال الانتقال للعمل وفق بروتوكول PoS الموفر للطاقة بشكل كبير، بينما يرى سنيغور أن الارتفاع في أسعار الطاقة بشكل مستمر، سيؤثر على شبكات بلوكتشين ذات بروتوكول إثبات العمل PoW، الذي قد يصل الأمر به إلى الزوال في حال استمرار أزمة الطاقة تلك، فلا قيمة من استهلاك الطاقة عند عدم تحقيق مكاسب مقبولة من التعدين.
يعتقد البعض أمثال نيرو جاي، أن كل من أزمتي الطاقة والتضخم الحاليتين، ستكون ذات أثر سلبي طويل الأمد على سوق العملات الرقمية، الأمر الذي سيجعل الكثيرون يترددون قبل المخاطرة في الاستثمار به، ولكن إن بحثنا عن آثار إيجابية لتلك الأزمتين، فإن المخاوف المتوقعة منها، هي نفسها يمكن استغلالها لتوجيه التأثيرات بمنحى إيجابي.
فالعديد من البلدان اليوم، أمثال تركيا وفنزويلا والسودان وزيمبابوي والأرجنتين، تشهد معدلات تضخم مرتفعة وعقوبات اقتصادية، الأمر الذي يجعلها تفكر في استخدام العملات الرقمية كحل لتلك الإشكاليات.
وبالنسبة لمشكلة الطاقة التي تستهلكها مجمعات التعدين، فالأزمة الحالية من المفروض أن تدفعهم نحو التفكير في إيجاد بديل تقني لاستمرار عملهم، وبنفس الوقت تقليل استهلاك الطاقة، كما فعلت شبكة إيثيريوم عند تغيير آلية العمل لتصبح وفق بروتوكول إثبات الحصة PoS.
يعتبر عامل استقرار أسواق الطاقة العالمية اليوم، أحد أهم العوامل التي تضمن استمرارية عمليات تعدين العملات الرقمية ،وعلى رأسها البيتكوين، بشكل مستقر وطبيعي. لكن التكاليف العالية للبدء بعملية التعدين، سوف تجعل الكثيرين يتخلون عن هذا العمل، لأنهم سوف يطالبون بمكاسب أعلى لقاء عمليات معالجة الكتل على الشبكة، والتي لن تسطيع إدارة الشبكة تغطيتها.
سيدفع هذا الأمر إلى انخفاض كبير في عدد المعدنين، وبالتالي فإن ذلك سينعكس إيجابا على من سيكافح منهم محاولا الاستمرار بعمله، لأنه سيحصل على حصة أكبر من المكافآت التي تخلى عنها بقية المعدنون المستسلمون للوضع الراهن، حيث تبقى كمية عملات البيتكوين المعالجة كما هي حتى لو اختلف عدد المعدنون.
تحدث أندرو وينر، رئيس منصة تداول العملات الرقمية MEXC، أن أزمة الطاقة الحالية ستقوم بالضغط على عملة البيتكوين. ويعتبر أيضا أن سياسة الاحتياطي الفيدرالي هي السبب الأهم الأكثر تأثيرا في سوق العملات الرقمية، حيث تعتبر إجراءاته المتساهلة منذ عام 2022، سببا لقيام المؤسسات برقمنة مكاتبها وزيادة تعاملها مع البيتكوين.
أشار كذلك إلى وجود ارتباط متزايد لسوق العملات الرقمية بالبورصات العالمية كناسداك ومؤشر S&P 500، في حين يبقى تأثرها بقطاع الطاقة والكهرباء أقل، ذلك ما لم يحدث نقص عالمي في إمدادات الطاقة مستقبلا بما يؤثر بشل كبير على الوسق الرقمية.
وتحتمل الأزمة الحالية قيام حكومات الدول بعدة إجراءات، قد يكون أبرزها إيجاد برامج إنفاق إضافية، الأمر الذي سيدفعها إلى طباعة المزيد من الأموال تجنبا للوقوع في أزمة اقتصادية. الأمر الذي قد يشكل نقطة تحول في زيادة الطلب على العملات الرقمية، نتيجة فقدان الثقة بالعملات الورقية. ويبقى هذا السيناريو مجرد تخمين، والذي حصل فعلا في دول العالم الثالث، وبعض اقتصاديات الدول الأكبر.
وتشهد منطقة اليورو مستوى تضخم قياسي، إذ ارتفع مؤخرا قبل شهرين ليصل حتى 8.9%، والذي تمت ملاحظته كذلك في الولايات المتحدة، حيث شهدت قفزة كبيرة في مستويات التضخم لم يسبق لها مثيل منذ أربعين عاما، لتصل إلى 8.5%.
ورغم الاختلاف في تحديد إيجابيات وسلبيات هذه الأزمات فإن شعور الناس بالقلق إزاء تلك المشاكل، كفيل بتفكيرهم للتحويل إلى تداول العملات الرقمية. وسيكون من المشوق متابعة المستقبل القريب للسوق العالمية، وما سيحمله من مفاجأت على صعيد مستويات التضخم والأسعار، خاصة مع ارتفاع وتيرة الاحتدامات السياسية عالميا، وسعي الدول الكبرى لإثبات نفسها وفرض هيمنة أحدها على البقية.