تندرج قصة المليونير جيفري إبستين (Jeffrey Epstein) في إطار من الفضائح والأحداث الملتهبة، إذ غرق جيفري في هوسه بالقاصرات، وجذب أسماء كبيرة من قادة الرأي والسياسيين والمشاهير ورجال الأعمال إلى سهراته الصاخبة وليالي الفضائح على جزيرة الآثام المعروفة باسم “ليتل سانت جيمس”.
وُلِد جيفري إبستين في نيويورك عام 1953، وعلى الرغم من أنه لم يكمل تعليمه الجامعي، فقد نجح في الحصول على وظيفة مدرس بفضل قدراته الرهيبة في الرياضيات.
أسس إبستين شركته الخاصة لإدارة الاستثمارات عام 1982، وبفضل ذكائه والكاريزما التي يمتلكها، فقد تمكن من جذب كبار الأثرياء حول العالم، ويُقال أنه كان على من يريد الاستثمار معه أن يدفع مليار دولار على الأقل ليبدأ الاستثمار.
حاول إبستين في عام 2003 أن يستحوذ على مجلة نيويورك، وكان من بين مقدمي العروض الآخرين المدير التنفيذي للإعلانات دوني دويتش، والمستثمر نيلسون بيلتز، وقطب الإعلام والمحرر في حيفة “نيويورك ديلي نيوز” مورتيمر زوكرمان، ومنتج الأفلام هارفي وينشتاين.
ولكن كانت المجلة من نصيب صاحبها الجديد بروس واسرشتاين، وهو موظف مصرفي ومن المستثمرين القدامى في وول ستريت، إذ دفع مبلغ 55 مليون دولار أمريكي للحصول على المجلة.
التزم إبستين وزوكرمان لاحقا في سنة 2004 بمبلغ يقدر بحوالي 25 مليون دولار أمريكي لتمويل مجلة Radar، وهي مجلة للمشاهير وخاصة لهواة فن البوب، كان قد أسسها ماير روشان.
كان إبستين وزوكرمان شريكين متساويين في المشروع. احتفظت روشان، بصفتها رئيسة تحرير المجلة، بحصة ملكية صغيرة. وتم أرشفة المجلة بعد ثلاثة أعداد فقط وأصبحت كمنشور مطبوع وذات حصرية على الإنترنت.
كان إبستين رئيسا لشركة Liquid Funding Ltd في الفترة الممتدة من 2000 وحتى 2007. كانت الشركة خلال هذه المدة رائدة في مجال توسيع نوع الديون التي يمكن قبولها عند إعادة الشراء، أو سوق الريبو، والذي يتضمن قيام المقرض بإعطاء المال للمقترض مقابل الأوراق المالية التي يوافق المقترض بعد ذلك على إعادة شرائها في وقت وسعر متفق عليهما.
كان الغاية من ابتكار شركة Liquid Funding Ltd، وغيرها من الشركات المماثلة، هو إيجاد بديل أو حل يغني عن امتلاك الأسهم والسندات كأوراق مالية أساسية، مقابل الحصول على رهون عقارية تجارية ورهون عقارية سكنية استثمارية ومجمعة في أوراق مالية مسجلة وموقعة ضمن عقود كضمان أساسي.
في بداية هذه الرحلة من هذا التمويل الجديد، كانت شركة Bear Stearns تملك نسبة 40% من حصة هذا السوق. ومن خلال مساعدة العديد من وكالات التصنيف الائتماني أمثال ستاندرد آند بورز، وموديز إنفستورز سيرفيس وفيتش، تم إنشاء الأوراق المالية المجمعة الجديدة للشركات من أجل أن تحصل على تصنيف AAA مطلي بالذهب.
ولكن سرعان ما انهارت شركة Bear Stearns في شهر مارس/ آثار عام 2008، بسبب انهيار هذه الأوراق المالية المعقدة نتيجة تصنيفاتها غير الدقيقة، وحدث وقتها أزمة مالية عالمية في 2007-2008 ومن ثم لاحقا الدخول في الركود العظيم المعروف عالميا.
ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عام 2015/ أن إبستين قد استثمر في شركة Reporty Homeland Security الناشئة (التي أعيدت تسميتها باسم Carbyne في عام 2018).
كانت الشركة الناشئة مرتبطة بصناعة أسلحة الدفاع الإسرائيلية، وكان يرأسها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك، الذي شغل منص وزير الدفاع ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي IDF في وقت سابق.
أما عن الرئيس التنفيذي لشركة RHS التي تمت تسميتها لاحقا بـ Carbyne، فكان هو أمير اليحيائي، وهو ضابط في القوات الخاصة، وكان إلى جانبه وبنحاس بوخريس بصفة مدير الشركة، الذي شغل منصب المدير العام لوزارة الدفاع وقائد وحدة السايبر 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي.
كان إبستين وباراك، رئيس كاربين، على صلة قرابة، وكثيرا ما عرض عليه الأول الإقامة في إحدى وحداته السكنية في مجمعات 301 East 66th Street في ولاية مانهاتن.
ويعود سبب ضلوع إبستين في مثل هذه الأنشطة، هو امتلاكه خبرة سابقة في القطاع الإسرائيلية البحثية منها والعسكري أيضا. وفي أبريل/ نيسان سنة 2008، قرر إبستين الذهاب إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي، والتقى وقتها بعدد من علماء الأبحاث وزار عدة قواعد عسكرية إسرائيلية.
مع هذا الثراء الفاحش بدأت مسيرة الفاحشة المليئة بالفضائح ورائحة الدم والآلام، فقد كان يستضيف حفلات وسهرات غير عادية برفقة شخصيات هامة على جزيرته الفاخرة أو في مساكن خاصة في نيويورك في أمريكا.
تم اعتقال إبستين لأول مرة عام 2005 بتهمة دفع أموال لفتاة قاصر للقيام بأفعال جنسية، وقد أدين بالسجن لفترة قصيرة ليس إلا. في 2008، حُكم عليه بتهمة الاتجار بالجنس وسُجن وقتها، ولاحقا عُثر عليه ميتا في زنزانته سنة 2019.
وبعد الكشف عن الكثير من أوراقه مؤخرا، فإننا نجد في قائمة الشخصيات التي ارتبطت بفضائحه أسماء بارزة وكبيرة حول العالم، مثل بيل كلينتون ودونالد ترامب والممثل الشهير كيفن سبيسي، إلى جانب نحو 150 شخصية أخرى.
من خلال دفع مبالغ زهيدة للقاصرات، استغل إبستين هؤلاء الأفراد من الطبقات الفقيرة والأسر المفككة اجتماعيا. وشغلت قضيته الرأي العام العالمي، ومازال العالم أجمع ينتظر المزيد من الوثائق القضائية للكشف عن المزيد من التفاصيل والأسماء المتورطة في هذه الجريمة الشنيعة التي أشعلت العالم ببؤسها وسوداوية هذا العالم.
أصبحت قضية الملياردير الأمريكي جيفري إبستين محط اهتمام واسع في الأيام الأخيرة، بعد أن قررت محكمة فيدرالية أمريكية رفع السرية عن وثائق تتعلق به، والذي انتحر في زنزانته عام 2019 بعد أن وُجهت إليه تهم الاتجار بالجنس واستغلال الأطفال والقاصرات. فقد تم الكشف عن تفاصيل مروعة تتعلق بسلوكه الفاسد وعلاقاته المشبوهة.
وتحتوي الوثائق على شهادات وأقوال من ضحايا وشهود ومتهمين في القضية، والتي تكشف عن أسماء شخصيات عامة متورطة في الفضيحة الجنسية، من بينها رؤساء وزراء ورؤساء وملوك ومشاهير ومليارديرات.
ووفقا للوثائق التي تم نشرها مؤخرا، فإن إبستين قام بالتحرش بالعديد من الفتيات القاصرات، وحاول جذبهن إلى مجال الدعارة.
وقد كانت هناك تهم أخرى تتعلق بالاعتداء الجنسي على القاصرات. وبالرغم من أنه تم الإفراج عنه بعد فترة سجن قصيرة بسبب صفقات تسوية، إلا أنه تم اعتقاله مجددا في عام 2019 بتهم مماثلة، لكنه انتحر في زنزانته.
ولكن المثير في قضيته هو الاتهامات بأن أبستين كان يدير شبكة للاتجار بالبشر والجنس المنافي للأخلاق. وكان هناك ادعاءات تشير إلى أن جزيرته في الكاريبي كانت مركزا للأنشطة غير القانونية التي شملت تجمع كبار الساسة ورؤساء الأموال من الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث كانوا يقومون بأعمال مشينة جنسيا.
وقد تم نشر أسماء عدد كبير من الأشخاص المشتبه بهم في التورط في هذه القضية، بما في ذلك شخصيات سياسية وفنية بارزة. يُذكر أن وجود اسم شخص معين لا يعني إدانته، وإنما يُذكر في إطار التحقيقات.
كما أن القضية لا تزال قائمة، ومع صدور المزيد من التفاصيل، يُتوقع أن يستمر الجدل حول هذا الموضوع.
ومن أبرز الأسماء التي ظهرت في الوثائق:
ومن المثير للانتباه أن اسم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لم يظهر ضمن قائمة المتهمين، على الرغم من أنه كان معروفاً بصداقته مع إبستين.
وقد أمر القاضي الفيدرالي بالكشف عن وثائق المحكمة التي تضم أسماء العشرات من شركاء إبستين في الجريمة في ديسمبر 2023، بعد أن رفعت إحدى الضحايا دعوى قضائية ضد حبيبة إبستين جيزلين ماكسويل، التي تواجه حالياً تهمة المساعدة في جرائم إبستين.
وفي يناير 2024، أكدت المحكمة رفع السرية عن الوثائق تدريجيا، بدايةً بالوثائق المنشورة بتاريخ الخميس 4 يناير/كانون الثاني 2024، والتي تشكل جزءا صغيرا من قضية جيفري إبستين.
شاهد أيضا: