يجري الحديث في وسائل الإعلام العالمية حول اقتراب حرب كبرى بين المقاومة الإسلامية في لبنان وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي على وشك أن يفقد سيطرته على شمال فلسطين بعد خسارته أجهزة المراقبة والتجسس.
المحتوى
تحرك دولي ينذر باشتعال حرب كبرى في لبنان ونتنياهو يركض سعيا في ذلك
مع زيادة وتيرة التهديدات المنطلقة من لبنان باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة الواقعة تحت حكم الجيش الإسرائيلي وحكومته المنهارة، يرى نتنياهو أن الحل الوحيد لإيقاف ذلك الخطر هو فتح جبهة جديدة مع حزب الله والتوغل البري في لبنان.
وبالنظر لآخر المستجدات في المنطقة، فإن الكثير من الأحداث والتحركات السياسية والعسكرية بدأت تحشد نفسها في إطار التهيئة النفسية والفعلية لفتح حرب حقيقية ضد لبنان.
فقد قامت أمريكا بتحريك مدمرتها دوايت أيزنهاور من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط دعما لإسرائيل، بعدما كانت تتصدى لهجمات الحوثيين في اليمن وتمنع وصول صواريخها إلى إسرائيل.
أما الدول الأوروبية وبعض الدول العربية، فبدأت بسحب سفراءها من هناك مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا وفرنسا وغيرها، وقاموا بمطالبة رعاياهم بمغادرة لبنان على الفور تحسبا لوقوع حرب في المستقبل القريب.
كما قام الجيش الإسرائيلي ببدء مناورات عسكرية مع قبرص يحاكي فيها هجوما على منشآت نووية إيرانية، وذلك بعد توقفها لأشهر بسبب أحداث 7 أكتوبر.
ماذا تخبئ المقاومة الإسلامية لإسرائيل في لبنان؟
تتصاعد وتيرة التوترات.. وساعة الصفر بدأت بالاقتراب.. وذلك وفقا لآراء كثير من المحللين، فناقوس الخطر بدأ يدق.. وساعة الحسم تقترب، وحرب مدمرة تدق الأبواب في لبنان وفلسطين في الشرق الأوسط.
ولكن ما لا يعلمه جيش الاحتلال الإسرائيلي وحكومته، التي يقودها المنهزم بنيامين نتنياهو، هو أن المقاومة في لبنان قد جهزت العدة والعتاد، وما فعلته على مدار أكثر من 250 يوما مضت، كان مجرد تمهيد وطعم لجر الفريسة إلى الحفرة.
فمنذ اندلاع أحداث 7 أكتوبر في العام الماضي وحتى تاريخنا اليوم، لم تكن المقاومة الإسلامية، سواء القسام أو حماس وغيرها من فصائل الدفاع الفلسطينية، تحارب عبثا أو تهاجم هنا وهناك لإثبات وجودها، بل كانت تعد العدة لحرب أكبر لم تخطر على عقل بشر.
لقد قررت المقاومة الإسلامية بمختلف وحداتها وداعميها، وضع خطة حاسمة ومتينة يصعب على أي أحد اختراقها، حتى لو اندلعت حرب نووية، تلك الخطط كانت بإشراف إيران وروسيا والصين.
فإذا عدنا بالتاريخ إلى ما قبل أحداث 7 أكتوبر، وقرأنا الأحداث ومجريات الأمور في منطقة الشرق الأوسط على مدار الأعوام الأخيرة، سنجد أن روسيا والصين نجحتا في زيادة نفوذهما في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى، تنافس فيهما نفوذ أمريكا وأوروبا وحلفائها.
فقد بات لروسيا قواعد عدة في العديد من الدول العربية والإسلامية، بما فيها سوريا وتركيا والعراق وأفغانستان ومصر والسودان وليبيا، وعدد من دول شرق وشمال ووسط إفريقيا، بينما كان تواجد الصين حاضرا بالمال والعتاد لكل هذه الدول.
أما إيران فاستطاعت تطوير قدراتها العسكرية إلى حد يجعلها تصارع كقوة كبرى تنافس الدول العظمى كأمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وقامت بتغذية نفوذها أيضا في عدة دول، شملت لبنان وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان، وباتت تقود فصائل مسلحة مجهزة ومدربة لأي حرب.
الحرب في سوريا كانت بابا لتدريب جيش سيفتح نار جهنم على إسرائيل
لعل كل ما قامت به روسيا وإيران والصين في منطقة الشرق الأوسط لم يكن ليحدث، لولا اندلاع الحرب في سوريا التي كانت المفتاح لدخول هذه الدول إلى الشرق من بابه العريض.
نعم، فسوريا التي خاضت من قبل حرب أكتوبر في 1973 ضد إسرائيل وكبدتها وقتها خسائر كبيرة، كانت الحاضن الوحيد والساحة الأنسب ليتم تجهيز جيش جديد يستطيع ردع إسرائيل وكسر شوكة أمريكا وإنهاء سياسة القطب الواحد.
فبعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 واشتعال الحرب الأهلية، حاولت سوريا أن تأد نار هذه الحرب، ولكن في 2013 زادت الأمور سوءا بعد دخول مئات آلاف المسلحين برعاية أمريكا إلى سوريا، بعتاد وسلاح لم تشهده أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية.
وكان تنظيم داعش ومقاتلو جبهة النصرة وتنظيم القاعدة، الفصائل الأبرز في ساحة القتال والذين تلقوا التدريب من ضباط أمريكيين وأوربيين في قواعد في الأردن والعراق وتركيا، تمكنوا خلال أشهر من السيطرة على أجزاء كبرى من البلاد في سوريا.
سوريا تحيي دور روسيا في العالم وتبدأ في التحضير لحرب أكتوبر في 2023
في عام 2015، وتحديدا في 26 أغسطس/آب، تم توقيع اتفاق سري عسكري بين روسيا وسوريا، كان نقطة التحول في الأحداث في الحرب والأزمة السورية، وبدء استعادة الأراضي السورية من تنظيمي داعش والقاعدة.
فقد قامت روسيا بإنشاء قاعدتين عسكريتين جويتين في كل من محافظتي طرطوس واللاذقية، بموجب اتفاق أغسطس الذي ينص على وجود عتاد عسكري كبير، جوي وبري وبحري، في تلك القواعد، إضافة إلى تدريب مقاتلين وضباط من الجيش السوري وتسليمهم آليات عسكرية جديدة وأنظمة دفاع جوي حديثة.
وكان الاتفاق الذي وقعه كل من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ونظيره السوري فهد جاسم الفريج، بداية التحرير في سوريا والقضاء على التنظيمات المسلحة وعلى رأسها تنظيم داعش وغيرها من الفصائل التي جندتها أمريكا بأموال خليجية.
وخلال 3 أعوام تقريبا، تمكنت سوريا، بمساعدة روسية، من استعادة السيطرة على أكثر من 90% من الأراضي السورية، باستثناء بعض الجيوب في البادية السورية والشمال السوري والأرياف المحاذية للبنان والأردن.
وهنا جاء الدور الإيراني الذي سيتم من خلاله استكمال ما بدأه محور المقاومة قبل أعوام، إذ أبرمت سوريا وإيران عدة اتفاقيات سياسية واقتصادية لدعم سوريا وقواتها، وتم فتح خط ائتماني اقتصادي للحكومة السورية لتأمين احتياجاتها في ظل الحصار والحرب.
وبعد ذلك بدأت إيران بتدريب قوات لها من عدة دول تحت راية المقاومة الإسلامية، والتي أشرف عليها خبراء من الجيش السوري وحزب الله اللبناني والجيش الروسي وضباط الحرس الثوري الإيراني أيضا، والذين اكتسبوا خبرة في الحرب لعقد من الزمن، تمكنوا من خلالها من تطوير قدراتهم واستراتيجياتهم القتالية والعقائدية.
ويمكن القول أن إسرائيل منذ حرب تموز في 2006 وحتى العام 2023، قد انشغلت بعدة انتفاضات وأحداث عسكرية في الداخل الفلسطيني، جعلها منعزلة عن الخطط التي تم وضعها لإضعاف إسرائيل تدريجيا دون أن تدرك ذلك، رغم قيامها بدعم الفصائل المسلحة ضد سوريا وإغارتها الجوية على العديد من القواعد الإيرانية هناك.
الهجوم على الكلية الحربية في حمص وعلاقتها باشتعال طوفان الأقصى
شهدت مدينة حمص بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2023، تفجيرات إرهابية في الكلية الحربية أثناء تخريج الطلاب الخريجين، وارتقى عشرات الأهالي والطلبة والضباط إثر هذا الهجوم.
في اليوم التالي من هذا التفجير، قيل أن قادات المقاومة الإسلامية في فلسطين بمن فيهم إسماعيل هنية، التقوا بالرئيس الأسد في دمشق، وهنا تم الاتفاق على خطة الحرب وإعطاء الضوء الأخضر لفتح النار على إسرائيل من كل حدب وصوب.
وفي صباح 7 أكتوبر ومع بزوغ فجر السبت، فتحت فصائل المقاومة في فلسطين النيران على المستوطنات الإسرائيلية، وأطلقت أكثر من 5 آلاف صاروخ دفعة واحدة، لتنهار منظومة القبة الحديدية ومن خلفها قوات جيش الاحتلال والحكومة الإسرائيلية.
وهاجمت قوات برية وجوية وبحرية تابعة للقسام وحماس، العديد من المستوطنات الإسرائيلية تحت شعار “طوفان الأقصى“، ودمرت عتادا وسلاحا كثيرا في عدة قواعد عسكرية إسرائيلية استراتيجية، محققة انتصارا كبيرا لم تستوعب صدمته أمريكا وإسرائيل حتى تاريخ اليوم.
وأعلنت فصائل المقاومة خلال الساعات الأولى من طوفان الأقصى، عن سيطرتها على مستوطنة كيبوتس وكرم أبو سالم شرق رفح، ونشرت مقاطع فيديو تظهر فيها تجول المقاومين في شوارع المستوطنات وهروب الإسرائيليين من ساحات المعارك.
أما قوات حزب الله في جبهة الجنوب اللبناني، فقد أشعلت فتيل الحرب على الشمال الفلسطيني وبدأت باستهداف أبراج المراقبة والتجسس وإتلاف الكاميرات على طول الخط الفاصل بين الجبهتين، حتى أصبح كيان الاحتلال بمعزل عن تحركات أعداءه في جبهة الشمال، وفقا لتصريحات مسؤوليه الذين قالوا أن الشمال بات يعيش في العصر الحجري.
وخلال الأسابيع الماضية، كثفت وحدات حزب الله نيرانها وصلياتها الصاروخية على القواعد العسكرية الإسرائيلية، وغادر أكثر من نصف مليون مستوطن إسرائيلي بيوتهم في مستوطنات الشمال، فيما خرج نظيرهم لخارج إسرائيل خلال أشهر الحرب وعادوا إلى مواطنهم الأصلية في أوروبا وأمريكا.
ومع الإعلان عن عملية الهدهد، التي أثارت الرعب في كل إسرائيل وجعلت أمريكا خائفة على طفلتها المدللة في المنطقة، خرج السيد نصر الله في لقاء مباشر أصدر فيه التهديدات بحرب كبرى ضد كيان الاحتلال، وهدد قبرص من محاولة التفكير في دعمها للكيان بأي شكل من الإشكال.
فقبرص هي الخاصرة التي يمكن لإسرائيل من خلالها أن تتنفس، في حال اشتعلت الحرب مع لبنان، وذلك بسبب قرب المسافة بين القواعد الإسرائيلية والحدود اللبنانية، حيث الصواريخ التي حال ما تنطلق، ستصل هدفها خلال دقائق وقبل أن تتمكن القبة الحديدية من رصدها أو التصدي لها.
من هي الدول التي ستدعم لبنان بالسلاح والمقاتلين حال التوغل البري الإسرائيلي؟
الآن وبعد ما تقدم من تلخيص للوقائع والأحداث على مدار العقود الأخيرة، من سنة 1973 وحتى تاريخ اليوم، لنفرض أن القرار في إسرائيل قد أعطي لتوغل بري عسكري في الجنوب اللبناني للقضاء على حزب الله وردع تهديداته، ما هي السيناريوهات المتوقعة للحرب؟
في حال اندلاع حرب بين إسرائيل ولبنان كما يتوقع الكثيرون، وكما يسعى نتنياهو لفعله وفقا لتصريحاته، فإن الجيش اللبناني وحزب الله لن يكونا وحيدين في القتال، بل ستجري حرب كبرى لن يتوقعها أحد.
فوفقا لتصريحات حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، قال أن قيادات المقاومة والدول التي تدعم هذه الفصائل، قد أبلغته بأن مئات آلاف المقاتلين جاهزون للانغماس في الحرب والتوجه إلى ساحات القتال بالعدة والعتاد الكاملين.
إذ كانت سورية خلال الأعوام الماضية، منطلقا لتدريب العديد من الفصائل المسلحة التابعة لمحور المقاومة الإسلامية، كما تم تطوير الكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية محلية الصنع بخبرات عربية وإسلامية محلية.
وتلقى الكثير من مقاتلي حزب الله التدريب والخبرات الكافية بسبب الحرب في سوريا، إذ شاركت قوات الحزب في تحرير مدينة القصير في حمص، وشاركت في معارك مناطق وأرياف القلمون ذات الطبيعة الجبلية الوعرة، ناهيك عن تحرير الحدود اللبنانية من تنظيم القاعدة والمسلحين الفارين من سوريا.
وتوجه الكثير من قوات الحزب إلى محافظات حلب وإدلب ودير الزور والبادية السورية، واكتسبوا خبرات قتالية عالية، وكان معهم مقاتلون كثر من لبنان وسوريا وإيران وأفغانستان والشيشان من روسيا وغيرها من الدول الإسلامية والعربية.
وبالتالي فإن سوريا ستكون نقطة عبور للقوات والجيوش التي تتوزع في أفغانستان وباكستان وإيران والعراق وسوريا أيضا، والذين سيتوجهون مع السلاح والذخيرة إلى لبنان، إضافة إلى زج قوات كثيرة من العشائر العربية من الكويت والخليج العربي والبادية السورية.
فقد أشارت صحيفة أخبار تابعة لحزب الله، أن حركة طالبان أبلغت جاهزيتها واستعدادها لإرسال آلاف الجنود للقتال ضد الكيان الصهيوني، في وقت اجتمع فيه مسؤولون من إيران وطالبان في وقت سابق لبحث التنسيق في عمليات مشتركة ضد إسرائيل، كما قامت روسيا بالاعتراف بحركة طالبان كإجراء لشرعنة أي تحركات منها لاحقا.
ولن تكون هذه الأعداد الكبيرة من المقاتلين بمعزل عن أي دعم لوجستي وعسكري من سوريا والعراق واليمن وإيران، والذين سيقومون بإسنادهم بدعم جوي وبحري لإضعاف القدرات الهجومية لإسرائيل وتدمير قواعدها الجوية في المنطقة وصولا إلى قبرص.
أما الدعم الروسي، سيكون من خلال الذخيرة والسلاح والمقاتلين من دولة الشيشان، فقد كان لاتفاق الدفاع المشترك بين روسيا وكوريا الشمالية، الذي تم توقيعه مؤخرا وحصلت من خلاله على 5 مليون قذيفة مدفعية، مؤشرات كثيرة تدل على اقتراب الحرب مع إسرائيل وأمريكا، وجعل كفة ميزان القوة ترجح لصالح الدب الروسي.
وسيقوم الحوثين في اليمن بزيادة الضغط على التجارة البحرية ومنع وصول الدعم لكيان الاحتلال الإسرائيلي، وزيادة قصف السفن العسكرية والحربية لأمريكا، وهذا ما سيضع أمريكا في موقف لا تحسد عليه وهي بغنى عنه أساسا.
ماذا سيحدث بهد انتهاء الحرب بين لبنان وإسرائيل؟
بفرض اشتعلت الحرب بين كل من لبنان وإسرائيل، وحصل السيناريو المتوقع من الدعم العسكري واللوجستي لفصائل المقاومة في لبنان، فإن أمريكا ستدافع بالطبع عن إسرائيل، لكنها لن تكون قادرة من إنقاذها من الخسائر الكبيرة التي ستلحق بها، وقد تنسحب في حال ضغط روسيا وكوريا والصين عليها.
ومن الممكن جدا أن تنتهي إسرائيل ويزول وجود كيان الاحتلال الإسرائيلي من فلسطين بشكل نهائي، ويغادر المستوطنون اليهود إلى دولهم التي قدموا منها من أوروبا وأمريكا الشمالية واللاتينية، ويتم إعلان دولة فلسطينية مستقلة.
أما السيناريو الآخر الذي من الممكن أن يحدث، فهو اندلاع حرب جزئية تنتهي بوقف إطلاق النار في كامل لبنان وفلسطين بما فيها غزة والضفة الغربية، والتوصل لاتفاق بحل الدولتين، وتشكيل سلطة وحكومة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
وهذا بحد ذاته يعتبر انتصار وإنجاز كبير لفلسطين التي قدمت عشرات آلاف الشهداء والضحايا والجرحى من أبناءها في سبيل الدفاع عن وطنهم وأراضيهم المقدسة وحماية القدس الشريف، مسرى الرسول الكريم، من تدنيس اليهود الصهاينة لها.
وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة سواء نحو التصعيد وإشعال مزيد من الحروب في الشرق الأوسط، أو التوجه نحو طاولة المفاوضات والسلام لإعلان أوراق اتفاق جديدة تطفئ التوتر والحرب التي اشتغلت منذ 7 أكتوبر في غزة.