أكملت البارحة إيثيريوم عملية التحديث التي ترقبها مجتمع العملات الرقمية بلهفة، وكان تحديث الذي يحمل اسم The Merge قد تم بسلاسة ودون أية مشاكل أو عوائق، وتحولت الشبكة للعمل وفق بروتوكول إثبات الحصة.
وفور انتهاء عملية الترقية، أصبح استهلاك الطاقة في شبكة الإيثيريوم أقل بنسبة 99.9%، وهي خطوة مهمة وتاريخية لجعل بلوكتشين أرخص وأسرع في الاستخدام، بعدما كانت الشبكة تستهلك الطاقة مثلها مثل دولة هولندا بأكملها.
هذا الحدث الهام يعتبر محطة مهمة تصنّف من قبل البعض على أنها لحظة تاريخية ومنعطفية “Netscape”، أي بمعنى آخر فإننا نتحدث عن تلك اللحظة التي ستبدأ فيها كل من تقنية بلوكتشين وويب 3 في استبدال الويب 2 بشكل نهائي.
نيت سكيب “Net Scape” كانت عبارة عن متصفح الإنترنت الأصلي، وكان قد هيمن على 90% من إجمالي سوق الانترنت في فترة كانت الذهبية لها.
ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، عندما خرجت نيت سكيب بطرحها الأولي للأسهم عام 1995، خلال دقيقة.. ودقيقة واحدة فقط، أصبحت شركة ذات قيمة تتجاوز 3 مليارات دولار آنذاك، وكانت قد ظهرت فقاعة الانترنت “dot.com” في أواخر العُشر الأخير من القرن العشرين، في وقت كان فيه عدد مستخدمي الانترنت قليلاً جداً حول العالم، وبإمكانيات تكنولوجية كانت الأوسع، قدمتها خلال عصرها الذهبي ذاك.
نجاح الاكتتاب العام لشركة نيت سكيب أدى إلى ظهور مصطلح “Netscape Moment“، الذي شهد استخداماً واسعاً جداً، والذي كان الفخر لتلك الشركة بوصفها صانعة لتقدم تكنولوجي، أدى إلى بزوغ فجر جديد وصناعة جديدة في عالم الويب.
وبوصف حدث تحديث الإيثيريوم بأنه لحظة نيت سكيب، فإننا كما ذكرنا بداية نتحدث عن فجر جديد آخر، سيضع رحاله أمام كل من تقنية بلوكتشين والويب 3، وذلك عند استبدالهما بدلاً عن الويب 2 بشكل نهائي.
يعتبر حدث ترقية الإيثيريوم “The Merge” خطوة أولى وكبيرة جداً للمستقبل، إذ ستكون هناك بعض التغييرات الفورية والتي سنلاحظها على شبكة إيثيريوم عقب تلك الترقية، فقد شهدت شبكات العملات الرقمية مثل Ethereum Classic و Ravencoin معدلات صعوبة قياسية بعد هجرة المعدنين من شبكة الإيثيريوم، وهذا لن يمكنهم بعد الآن من تعدين كل من ETH و ETH 2.0.
بوجود العديد من المتداولين الذين ينشرون الشائعات ويبيعون الأخبار في محاولة منهم لخفض سعر الإيثيريوم، حيث سعرها بنسبة تقريبية تصل إلى 10% خلال الـ24 ساعة الماضية، إضافة إلى انخفاض بنسبة 15% خلال الأسبوع الأخير، مما أدى إلى حصول حدث للبيع كان ملحوظاً على مستثمري وحاملي العملة.
يرى محللو إيثيريوم، أن التحديث سيضع حجر الأساس بالنسبة لبلوكتشين حتى تكون بيتكوين هي أفضل عملة رقمية في السوق، ومع ذلك ستبقى إيثيريوم واحدة من أفضل العملات الرقمية، التي سيتداول بها الكثير من المستثمرين على المدى الطويل.
وما ميّز عملية الترقية بشكل كبير هو انخفاض استهلاك الطاقة بشكل هائل، مما يعود بالنفع على البيئة في العالم بأسره، لكن رغم ذلك لن يتم تخفيض رسوم المعاملات والسرعة حتى الترقية الكبرى القادمة في الوقت نفسه من العام القادم.
على رغم ذلك، هناك احتمالات كثيرة وغير محدودة بأن تكون إيثيريوم هي أكبر الشبكات التي ستجري عليها عمليات بناء وتطوير عديدة من قبل الشركات الأخرى، وأن الدمج الحاصل قد جعلها أرخص وأكثر أمناً وسرعة، وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة، كل ذلك قد يكون على المدى المتوسط والطويل.
وفقاً لبنك أوف أمريكا، ستؤدي سرعة المعاملات والأثر الكربوني الضار الصغير جداً واللذان تمتلكاه إيثيريوم، إلى زيادة التبني المؤسساتي، إضافة إلى إتاحتها بيئة أكثر أماناً وسهولة للشركات من أجل بناء وتطوير مختلف التطبيقات والبرامج والتقنيات.
وعلى صعيد الاستثمار الفردي في مجالات تداول الرموز غير القابلة للاستبدال والألعاب القائمة على البلوكتشين، سيصبح استخدامها أكثر أماناً وأوفر وأسرع، ومن المتوقع بدء حقبة وعصر جديدين بالنسبة للألعاب والربح من خلالها، وأيضاً بناء منصات الميتافيرس، وغيرها الكثير والكثير من التطبيقات الأخرى.
رغم نجاح الترقية، والميزات الكثيرة التي قدمتها لإيثيريوم، والمنعكسات الإيجابية على العديد من التقنيات العالمية كبلوكتشين، فلا يزال هناك طريق طويل أمام كل من إيثيريوم والويب 3.
ففي تقرير ورد عن صحيفة فاينانشال تايمز، يشير فيه محلل الأعمال ريتشارد ووترز، إلى أن تفريغ شركة بقيمة 200 مليار دولار إلى مؤسسات جديدة تماماً، لا يمكن أن يتم هكذا بسهولة دون أن تتواجد العديد من المخاطر.
ففي الوقت الذي تمت فيه نقاشات كثيرة حول موضوع مركزية إيثيريوم ما قبل حدث الدمج، لم تأخذ عمليات اختبار آلية الإجماع الجديدة حقها من الوقت في العالم الحقيقي، والوقت وحده فقط هو من سيحدد إذا ما ستتبنى المؤسسات خطوة الدمج هذه أم لا.
وأشار الكثير من المتابعين أمثال ووترز، إلى أن تهجير إيثيريوم للمعدّنيين، يؤدي إلى ابتعاد إيثيريوم عن اللامركزية، في الوقت الذي يتطلب فيه الويب 3 حتى يحل محل الويب 2 ويصبح مُتاحاً للجميع، أن تواجه إيثيريوم المزيد والمزيد من التدقيق والتنظيم، وهذا يتعارض تماماً مع سبب دخول رواد هذا المجال إلى عالم العملات الرقمية في بداية الأمر، والذي يكون تمتعها باللامركزية.
يُطرح تساؤل هام يبحث الكثيرون عن جواب له، وهو سبب الحاجة بالدرجة الأولى لتقنية الويب 3؟، ولكن الوقت وحده سيكون الكفيل في إيجاد جواب هذا التساؤل.
لكن من وجهة نظر عشاق عالم الويب والتشفير، يرون أن الدمج هو حجر الأساس، والذي سيُبنى عليه نظام بيئي من التقنيات والتطبيقات والبروتوكولات، التي تكون مسالمة وصديقة على حد سواء لكل من المستخدمين والمستهلكين، وتغير طريقة التعامل والحياة التي نعمل بها اليوم.