أخبار العملات الرقمية

هل يمكن للبيتكوين أن تكون معيارا للنقد العالمي؟

يقصد بمفهوم العملة غير القابلة للتحويل بالعملة التي لا يمكن صرفها في أسواق الصرف الأجنبية العالمية، وتكون بلا قيمة خارج البلد التابعة له، ويطلق عليها اسم الأموال المقفلة. وتملك معظم دول العالم عملات خاصة بها غير قابلة للتحويل، ففي يومنا هذا لا توجد سوى 18 دولة تملك عملة قابلة للتحويل، بينما بقية الدول جميعها يملك أموال مقفلة.

وتكون هذه العملات غير القابلة للتحويل، ذات تأثير كبير على الحياة اليومية لحامليها، ففي قطاع السياحة مثلا تؤدي هذه العملات إلى تعقيد عملية التبادل لما تفرضه من رسوم تصريف إضافية تتناسب مع أسعار التحويل.

ما أسباب تعامل الدول بالعملات غير القابلة للتحويل؟

تختار الحكومات تلك العملات غير القابلة للتحويل لعدة أسباب، يكون أهمها منع هروب رؤوس الأموال الضخمة خارج البلاد، بسبب عدم أهمية ما يملكونه من تلك العملة خارج حدود البلد المستثمر به. إضافة إلى أن عدم امتلاك ميزة تصريفها تفرض على الناس الالتزام باستخدامها.

ورغم ما ذكرناه حول عدم مقدرة تحويل تلك العملة والتعامل بها في أكثر من دولة، إلا أن ذلك غير دقيق، حيث بات من الممكن تحويلها عبر أدوات مالية معقدة من مثل العقود الآجلة غير القابلة للتسليم NDFs.

لكن تفضل بعض الدول عدم قابلية تحويلها، رغم وجود بعض العيوب التي تقيد التعامل بها بعض الشيء. فعدم قابلية تحويلها يحد من التعامل بها في التجارة مع دول أخرى، ناهيك عن التعقيدات المالية والإدارية في المعاملات المرتبطة بها. وتكون قيمة العملة منخفضة نسبيا، كون أن الطلب عليها سيكون منخفضا بسبب عدم قابلية تحويلها، خاصة إن لم تكن مرغوبة من السياح أو يٌتعامل بها بنسب محددة في الصادرات.

وتكون الدول الأقوى تجاريا هي من تملك عملات قابلة للتحويل، الأمر الذي يزيد من طلب العملة في حال زيادة عدد المعاملات وتزيد من شرعيتها. ومن هنا توجب أن يكون هناك عملة عالمية واحدة يمكن الرجوع إليها من قبل الجميع، واستخدامها كمعيار للتبادل النقدي كما هو حال الدولار اليوم بعدما تم اعتماده في أعقاب عام 1971 من القرن الماضي.

كانت اتفاقية بريتون وودز عام 1944 هي بداية اعتماد الدولار الأمريكي كعملة مرجعية في التجارة والتبادل، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تملك امتيازا ذهبيا، أعطاها مزايا كبيرة مقارنة مع بقية الدول. وكانت لهذه الأحداث بطريقة ما تأثيرا بعيد المدى، جعل من البيتكوين والعملات الرقمية حاجة ملحة في تعاملنا اليومي، وسيفرض مستقبلا الحاجة إلى وجود عملة رقمية تحكم الأسواق التقليدية والرقمية.

البيتكوين تخطت بالفعل جميع الحدود

يستطيع الجميع اليوم أن يرسلوا البيتكوين إلى بعضهم البعض من أي مكان وإلى أي مكان. وبالفعل يجري اليوم دفع الكثير من المعاملات عن بعد من خلال البيتكوين. ويعتبر المهاجرون الذين يرسلون المال لذويهم مثالا آخر على استخدام العملات القابلة للتحويل.

تنطبق حالات استخدام العملة الرقمية على البلدان التي تملك عددا كبيرا من السكان ممن لا يتعاملون مع البنوك، وبالتالي فإن العملات الرقمية تجنبهم من التعامل مع البنية التحتية المادية، كما هو الحال في أفريقيا وأمريكا الجنوبية والهند.

تكون متطلبات إرسال هذه العملات إلى المستفيد منها بسيطة جدا، فكل ما نحتاج إليه هو هاتف واتصال بالإنترنت، وهذا ما جعل من البيتكوين عملة عالمية. وهنا يأتي البعض ليقول أن من السهل تصريف تلك الدولارات المقابلة للعملات الرقمية المستلمة، لكن لتعرف مدى صعوبة الأمر، يجب عليك أن تعيش تجربة أولئك الذين يقطنون في بلدان تتعامل مع عملات غير قابلة للتحويل، لتدرك مدى صعوبة أن تقوم بفتح حساب مصرفي بالدولار.

ما تزال قضية العملة الموحدة حاضرة بين الماضي والمستقبل

كان من بين تفاصيل اتفاقية بريتون وودز قبل الوصول إلى الصيغة الختامية، حديث جون كينز عن اقتراحهه حول إنشاء عملة دولية تعرف باسم بانكور، يتم دعمها بواسطة مجموعة من العملات القوية للبلدان الصناعية المتطورة، لكن لم يلق تقبلا لاقتراحه ذاك، الذي تم تطبيقه رغم ذلك عبر أجيال من رجال المال والأعمال. وكانت محاولته تلك تصب حول إيجاد فكرة عملة موحدة بدلا من العودة لمعيار الذهب مرة أخرى.

تعتبر حقوق السحب الخاصة IMF، التي أنشأها صندوق النقد الدولي عام 1969، مثالا عمليا على تطبيق فكرة كينز، والذي تعتمد قيمة مسحوباته على مجموعة من العملات الرئيسية في السوق العالمية. لكن لا تعتبر حقوق السحب تلك عملة بالمعنى الحرفي، وإنما بمثابة رصيد احيتاطي دولي.

ويجري استخدام هذا الرصيد من قبل المنظمات الدولية فقط، حيث لا يعلم بأمره الكثيرين من سكان كوكبنا، وحتى الشركات لا تستطيع استخدامه أيضا.

ما الذي يترتب عليه الوصول لعملة عالمية موحدة؟

تعتبر مشاكل سوق التصريف الأجنبية ورسومها مرتبطة بشكل وثيق بالعملات الوطنية المحلية وعددها والحاجة لظهورها، ففي حال عدم الحاجة لتلك العملات وتحديد عددها، فإن مشاكل سوق التصريف ستختفي على الفور، وسُتزال القيود النقدية المفروضة على البلاد مما يجعلها تتاجر بحرية أكبر، الأمر الذي سيدفع التجارة الدولية نحو التحسن، وسيستفيد الجميع منها وخاصة الدول ذات الاقتصاد الضعيف بسبب التخلص من مخاطر الصرف والاحتياطي الأجنبي.

سيؤدي تحفيف العملات المحلية غير القابلة للتصريف، إلى تقليل التعقيدات المادية بين الدول، حيث سيجري تسوية القواعد المالية العالمية وستكون جميع البلدان متساوية في حقوقها المالية والاقتصادية، وستتحرر من التبعية لعملة دونا عن الأخرى.

حيث عملت الصين على تخفيض قيمة عملتها لسنوات من أجل دعم أسعار الصادارات والمنافسة مع بلدان أخرى، لكن هذه السياسة لن تجدي نفعا مقابل اعتماد عملة عالمية موحدة.

البيتكوين هي السبيل لإنقاذ اقتصادات الدول النامية الضعيفة

كان قرار توحيد العملة المتعامل بها من قبل دول الاتحاد الأوروبي دور كبير في إنعاش التجارة لديهم، حيث أدى اعتماد اليورو بشكل جماعي من دول الاتحاد، إلى زيادة الصادرات الثنائية بينها بنسبة 5.5% تقريبا.

المكانة العالمية لسلسة دول الاتحاد الأوروبي مع مرور الوقت

وفي حال شهدنا استخدام عملة البيتكوين الرقمية كعملة دولية موحدة، فإن غالبية الدول النامية ستشهد نموا كبيرا في اقتصادها، حيث سيمكنها من الاستفادة من وجود عملة مستقرة وواحدة فقط. حيث تصل قدرة البيتكوين إلى جعل الأسهم المالية لجميع الدول متلائمة مع بعضها البعض، الأمر الذي سيصل بها نفس المستوى من الاقتصاد للجميع.

إضافة إلى أن البيتكوين سيوفر قدرة دخول دول جديدة إلى أسواق التجارة العالمية، والتي تكون أساسا بعيدة عن تلك الأسواق وطرقها بسبب موقعها الجغرافي الطبيعي. ويكون ذلك من خلال نشوء شركات جديدة وتعامل القديمة منها مع البيتكوين الذي يفتح لها بوابة الاقتصاد العالمي على مصراعيه، ويوفر لها أعمال تجارية لم تكن متاحة قبل ذلك.

هيمنة رؤوس الأموال تحول دون الوصول لعملة عالمية موحدة

تبدو مزايا العملة العالمية واضحة نظريا، لكن على أرض الواقع لا يرغب رؤوس الأموال المتحكمون في السوق بالوصول إلى حالة يكون فيها الاقتصاد العالمي تابعا لعملة واحدة. حيث يرى روبوت موندل، الحائز على جائزة نوبل، أن العالم لا يمكن أن يكون موجود في حال إيجاد عملة واحدة، لأن الأمر سيكون عندها معقدا للغاية هذا إن لم يكن مستحيلا.

وتأتي حجة موندل من كون العملة الموحدة ستلغي تطبيق سياسات مالية مختلفة كانت تطبق قبلها، وبما أن لكل بلد وجهة النظر الخاصة به، فإن هذا الاختلاف لن يساعد في الوصول لصيغة تفاهم واحدة تجمع تلك الدول على حالة اقتصادية موحدة، وبالتالي سيستفيد البعض على حساب الآخر، مما سيزعزع الاقتصاد العالمي.

هل تحل البيتكوين الصراع بين أقطاب الاقتصاد العالمي؟

كان سايفيديان أنيموس الطرف المدافع عن فكرة أن تكون البيتكوين معيارا للنقد العالمي، حيث أوضح وجهة نظره من خلال كتابه “معيار البيتكوين”، الذي يرى أنه يمكن لها أن تقدم نفس المزايا التاريخية التي قدمها الذهب في التجارة العالمية. سوف تكون البيتكوين العملة التي تتمتع بجميع صفات المال السليم، مما سيوفر الأساس الجديد لنظام اقتصاد عالمي جديد فعال، يستطيع مواجهة حالات الركود والديون.

من المؤكد أننا نتفق على أن النظام النقدي العالمي الحالي لا يكون منصفا أو عادلا مع جميع الدول، بل إنه يزيد عدد الخاسرين على حساب العدد القليل من الأطراف التي تكسب من هذا النظام نتيجة هيمنتها على الأسواق.

ويكون الفصل الأسوأ من هذه الحكاية هو عدم وجود ملامح تحسن لهذا النظام الاقتصادي، فلا يمكن طباعة النقود مدى الحياة، وبالتالي ينذر بوصولنا لنهاية الطريق المتبع مع هذا النظام.

ويكون السؤال الأبرز أنه هل من المعقول وجود عملة عالمية موحدة تسيطر على الجميع ويملكها الجميع، لكن من دون وجود أحد يسيطر عليها ويتحكم بها؟