يشهد الاقتصاد العالمي اليوم حالة من التضخم غير المسبوقة، والتي تعتبر الأعلى منذ 40 عاماً خلت، في وقت تعتبر فيه عملة الدولار هي العملة الاحتياطية في العالم. ورغم التعامل الكبير بالعملات الرقمية وخاصة البيتكوين، في الدول الأوروبية والغربية، إلا أنه من لايزال من الصعب فهم أهمية البيتكوين من قبل الحضارة الحالية هناك.
إذ يذهب أغلب المستثمرين وراء البيتكوين بسبب قوة الدولار التي أعمت تفكيرهم، ومنعتهم من تقدير فائدة البيتكوين، وسنقوم في ها المقال بتقديم خمسة أشياء لا يستطيع لا الدولار ولا الذهب ولا حتى بقية العملات القيام بها، سوى البيتكوين.
لا بد أن موضوع الرقابة كان على قائمة أولويات شبكات العملات الرقمية على مدار العقد الأخير، وسيظل كذلك على مدار السنوات القليلة القادمة.
خضع الكثيرون من الأشخاص حول العالم، إلى فرض رقابة مالية على حساباتهم البنكية، وذلك لقيامهم بأنشطة مشبوهة تتعارض مع المصالح العليا لدولهم، وآخرها قيام البعض بالاحتجاج على قرار ولاية أوتاوا بإغلاق الولاية، لينزل المحتجون لشوارع الولاية، مغلقين بذلك شوارع المدينة حتى إيقاف فرض تطعيم سائقي الشاحنات بلقاح كوفيد 19.
احتجاج واحد بسيط أدى لحدوث كل ذلك، ماذا لو حدثت احتجاجات أخرى ضد انتهاك حقوق المرأة مثلاً، أو ضد انتهاكات حقوق الإنسان؟
هنا يأتي البيتكوين ليكون متاحاً لجميع البشر، على اختلاف انتماءاتهم والبلدان التي يتواجدون فيها، حيث ستكون القواعد هي ذاتها للجميع، ولا اختلاف بينك وبين غيرك من حاملي العملة الرقمية سوى رصيدك منها.
واستطاع حاملي بيتكوين أن يقوموا بحملة تبرع لسائقي الشاحنات الكندية آنذاك، ليجمعوا مساعدة وصلت قيمتها حتى 1 مليون دولار، لم يستطع أحد أن يقوم بالوقوف في طريقها، أو وضع اليد عليها وسلبها، لا حكومة البلاد هناك، ولا حتى نظامها المصرفي، لتكون بذلك عملة البيتكوين عملة مقاومة للرقابة.
عندما يكون الإنسان يعيش في منطقة ما من هذا العالم، بحيث تكون احتمالات تعرضها لحرب أو كارثة طبيعية كبيرة، مما يترتب عليه خسارة ممتلكاته وأمواله حيث يسكن، عندما لا يستطيع أن يقوم بنقل ما يملك من مكانه الحالي إلى مكان أكثر أمنا.
ناهيك عن ذلك، يمكن أن تكون منطقتك من تلك التي تتعرض لعقوبات اقتصادية قسرية من الدول المهيمنة على العالم، عندها ستخسر الكثير من الأموال نتيجة التضخم الكبير الذي ستشهده المنطقة نتيجة العقوبات.
كل هذه المعاناة والمشاكل يعيشها الكثيرون اليوم في العديد من الدول، ولكن عند امتلاكك لعملة البيتكوين، فإن مشاكلك تلك ستحل فوراً، فلا أحد يمكنه أن يعلم ما إذا كنت من حاملي البيتكوين أو لا، إضافة إلى مقدرتك على القيام بتحويل العملة ونقلها حيثما تشاء دون دراية لأحد بذلك سواك.
وما عليك لفعل ذلك سوى أن تحفظ عبارة محفظتك الرقمية التي تشكل رمز الدخول إليها، كما فعلت لالة فرزان، عند تلقيها لتهديدات من قبل طالبان في عام 2016، لتقوم في وسط فوضى عارمة بالفرار إلى ألمانيا، ومعها كل ثروتها التي كانت لديها في أفغانستان، دون مواجهتها أية مشاكل على الحدود.
حيث اختصرت ثروتها برمز المحفظة ذاك المكون من 12 كلمة، مكتوبة على ورقة صغيرة، لم يهتم لها أي أحد من اللصوص أو قطاع الطرق أو حتى أفراد الحدود المتواجدون بين الدول، لتقوم بعد ذلك فور وصولها إلى ألمانيا بالولوج لمحفظتها الرقمية من خلال تلك الرموز المدونة على ورقتها الذهبية، وبيع بعض من عملاتها “البيتكوين” لتأمين مصروفها ومستلزمات حياتها هناك.
تتطلب العملات الرقمية التي تعمل وفق بروتوكول إثبات العمل مثل البيتكوين، استهلاك الكثير من الطاقة من قبل المعدنين، لتعدين العملة الرقمية والحصول على بيتكوين مقابل ذلك، حيث كان من المفترض حسب البعض استهلاك كامل طاقة الكرة الأرضية بحلول عام 2020، لكننا اليوم أصبحنا في العام 2022 ولم يحدث شيء من هذا القبيل، فما حقيقة ما حدث إذاً؟
يقوم المعدنون بتأمين الطاقة للقيام بعملية تعدين العملة الرقمية للحصول على البيتكوين مثلاً مقابل ذلك، إذ يقومون بشراء الطاقة كلما كانت متاحة أمامهم. وبدلاً من قلق المنتجين في الطلب المتزايد على الطاقة، يجب عليهم توفير الطاقة بشكل أكبر دون أي خوف من عدم استخدامها من أي أحد.
يشجع تعدين البيتكوين على السعي في استخدام مصادر الطاقة البديلة والطبيعية غير المضرة بالطبيعة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية وغيرها الكثير. فطالما يقوم المعدنون بالبحث عن أكثر الطرق توفيراً للكهرباء وبأقل التكاليف التي تعود عليهم بالنفع وتوفير المزيد من المال، فإن تعدين البيتكوين يبشر بتطورات جديدة وابتكارات في مجالات الطاقة النظيفة، وتقليل كميات الطاقة المهدورة بشكل كبير.
ولمن لا يعلم، فإن أكثر من 60% من الطاقة المنتجة تضيع قبل وصولها إلى المستهلك. لذلك إذا ما قام المعدنون بالحصول على تلك الطاقة وشرائها، فإنهم سيحققون المنفعة لجميع الأطراف، وسيسمح للمنتجين بكسب المزيد من الإيرادات، إضافة إلى نمو إيجابي في العرض والطلب للسوق، وتبقى مسألة اندماج المعدنون بسوق الطاقة واستخدامهم مصادر الطاقة النظيفة، مجرد مسألة وقت فقط.
وبالنسبة للخدمات المصرفية، فإن معظم المصارف تغلق في الساعة الخامسة، ولا يستطيع أحد بعد ذلك الحصول على أي من الخدمات المصرفية، وتخيل حدوث ذلك في عطلة نهاية الأسبوع، سيكون من المحزن إلغاؤك لأحد الرحلات أو الحجوزات بسبب تلك المشكلة، أو عدم مقدرتك على تبضع حاجاتك الأساسية.
هنا تقدم لكم بيتكوين خدماتها بشكل مستمر دون توقف بنسبة 99.99%، فعلى مدار 12 عاماً لبيتكوين، لم تتوقف سوى 14 ساعة بشكل إجمالي خلال تلك السنوات، الأمر الذي يمكنك من الحصول على النقود متى تشاء، بمجرد اتصالك بالانترنت.
365 يوم في السنة، 12 شهراً، الكثير من الأسابيع، وعلى مدار الدقيقة من كل ساعة في اليوم، بيتكوين تكون مستمرة معكم بكافة جوانب حياتكم، حتى مع أيام العطل، أو العطل الرسمية في المناسبات، أو العطل الناتجة عن صيانة أحد المؤسسات المالية أو المصارف، لذلك لن يصيبك الهم مع استخدامك للبيتكوين.
في كثير من الأحيان، يتعين عليك القيام بإعطاء معلومات بطاقتك الائتمانية وعنوان سكنك، حتى تحصل على خدمة ما مدفوعة، مثل قراءة مقال تابع لصحيفة وول ستريت جورنال، أو الاستماع إلى أغنية على بودكاست.
يبدو هذا الأمر مزعجاً للبعض، فمن يدري ما الذي يحدث بتلك البيانات الشخصية المهمة عند تقديمها لتلك الجهات، ربما يقوم أحد ما باختراق سيرفرات الشركات تلك والحصول على جميع بيانات المستخدمين وسرقة أموالهم دون أن يستطيع أي أحد بفعل شيء جراء ذلك، أو تعويض المتضررين من تلك الحوادث.
تقدم بيتكوين مجدداً خدمة جديدة لمستخدميها، ستقوم من خلالاها من الحد بشكل كبير من التجارة الإلكترونية قد يصل الأمر إلى تعطيلها، مع استخدام البيتكوين تقنية المدفوعات الصغيرة من عملتها عبر الانترنت.
تطبيق النافورة أو ما يسمى “Fountain”، عبارة عن تطبيق بودكاست، تم بناؤه مباشرة على الطبقة الأساسية للبيتكوين على شبكة Lightning. حيث يوفر التطبيق لمستعمي بودكاست ربطه بالمحفظة Lightning، ودفع أجزاء صغيرة من البيتكوين تعرف باسم satoshis، إلى الصاحب الأصلي للمحتوى. حيث يمكن أن تصل تلك المدفوعات إلى 5 ساتوشيات في الدقيقة، والتي تعادل قيمتها اليوم 0.0011 دولار.
ومع شبكة Lightning Network، قد تقوم صحيفة وول ستريت جورنال بوضع آلية دفع جديدة تعتمد على الخادم BTCPay، والتي من خلالها يستطيع المستخدم أن يخرج محفظة Lightning الخاصة به، ومن ثم يمسح رمز الاستجابة السريعة ضوئيا، وان يدفع الفاتورة ويبدأ بعدها في قراءة المقال على وول ستريت الذي لطالما أراد الوصول إليه بشدة.
ولن تستغرق هذه العملية من المستخدم أكثر من نصف دقيقة، فبعد الولوج للمقال ودفعه المعلوم، لن يملك أي أحد من مسؤولي الصحيفة فكرة عن هوية المستخدم أو سكنه. بل على العكس، ستوفر هذه التقنية وصولاً أكثر لصحيفة وول ستريت جورنال، مع المحافظة على القراءات لمرة واحدة وبأسعار معقولة يحترم خصوصية مشاهديها.
ورغم السوق الهابط الذي تعاني منه العملات الرقمية ومنها البيتكوين على وجه الخصوص، فإنها لا تعد النهاية له، وليست أول وآخر سوق هابط، فالبيتكوين ما زال قويا، ويخفي في جعبته الكثير من المفاجآت في المستقبل.
وتلخيصا لما سبق، فإن البيتكوين يعتبر مستقبلاً بحد ذاته للتعاملات المالية، وقد يأتي اليوم الذي يصبج فيه عصب الاقتصاد العالمي برمته، لما له من ميزات إيجابية مهمة، لا يمكن إيجادها في غيرها من العملات الرقمية أو الورقية، وعسى أن يدرك الجميع هذه الحقيقة، ويتجهوا في طريق الوصول لحريتهم المالية، والحصول على مساحة كافية لخصوصيتهم المرتبطة بأعمالهم الحياتية.